أخبار الأعشى ونسبه
  وصبّ لهم فضيخا(١) فهم يشربون منه، إذ قرع الباب فقال: انظروا من هذا؟ فخرجوا فإذا رسول المحلَّق يقول كذا وكذا. فدخلوا عليه وقالوا: هذا رسول المحلَّق الكلابيّ أتاك بكيت وكيت. فقال: ويحكم! أعرابيّ والذي أرسل إليّ لا قدر له! واللَّه لئن اعتلج الكبد والسّنام والخمر في جوفي لأقولنّ فيه شعرا لم أقل قطَّ مثله. فواثبه الفتيان وقالوا: غبت عنّا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ واللَّحم والخمر ببابك، لا نرضى بدا منك. فقال:
  ائذنوا له؛ فدخل فأدّى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزّقّ والبردين بين يديه. قال: أقره السلام وقل له:
  وصلتك رحم، سيأتيك ثناؤنا. / وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقّوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاؤوا بهما، فأقبلوا يشوون، وصبّوا الخمر فشربوا، وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول:
  أرقت وما هذا السهاد المؤرّق
  حتى انتهى إلى قوله:
  أيا مسمع سار الذي قد فعلتم ... فأنجد أقوام به ثم أعرقوا(٢)
  هب تعقد الأحمال في كلّ منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق(٣)
  قال: فسار الشّعر وشاع في العرب. فما أتت على المحلَّق سنة حتى زوّج أخواته الثلاث كلّ واحدة على مائة ناقة، فأيسر وشرف.
  وذكر الهيثم بن عديّ عن حمّاد الراوية عن معقل عن أبي بكر الهلاليّ قال:
  خرج الأعشى إلى اليمن يريد قيس بن معد يكرب، فمرّ ببني كلاب، فأصابه مطر في ليلة ظلماء، فأوى إلى فتى من بني بكر بن كلاب، فبصر به المحلَّق وهو [عبد العزّى بن] حنتم بن شدّاد بن ربيعة بن عبد اللَّه بن عبيد بن كلاب وهو يومئذ غلام له ذؤابة، فأتى أمّه فقال: يا أمّه! رأيت رجلا أخلق به أن يكسبنا مجدا. قالت: وما تريد يا بنيّ؟ قال: نضيفه اللَّيلة. فأعطته جلبابها فاشترى به عشيرا(٤) من جزور وخمرا؛ فأتى الأعشى، فأخذه / إليه، فطعم وشرب واصطلى، ثم اصطبح فقال فيه:
  /
  أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق
  والرواية الأولى أصحّ.
  سألته امرأة أن يشيب ببناتها فشبب بهنّ فزوّجهنّ:
  أخبرني أحمد بن عمّار قال حدّثنا يعقوب بن نعيم قال حدّثنا قعنب بن المحرز عن الأصمعيّ قال حدّثني رجل قال:
(١) الفضيخ: شراب يتخذ من بسر مفضوخ وهو أن يجعل التمر في إناء ثم يصب الماء الحار عليه حتى تستخرج حلاوته.
(٢) أعرقوا: أتوا العراق.
(٣) الرواية في «تجريد الأغاني»:
به توضع الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف النسوع وتطلق
والأحلاس: جمع حلس وهو كل شيء ولي ظهر الدابة والبعير تحت الرحل والسرج والقتب.
(٤) العشير: جزء من عشرة أجزاء كالعشر.