كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الشماخ ونسبه وخبره

صفحة 118 - الجزء 9

  وما معناه؟ ومن أجاب فيه أجزناه، والخادم يسمع. فقال العراقيّ للخادم: أتحبّ أن أشرح لك قائله وفيم قاله؟

  قال: نعم. قال: يقوله عديّ بن زيد في صفة البطَّيخ الرّمسيّ. فقال ذلك الخادم. فضحك عبد الملك حتى سقط.

  فقال له الخادم: أخطأت أم أصبت؟ فقال: بل / أخطأت. فقال: يا أمير المؤمنين، هذا العراقيّ فعل اللَّه به وفعل لقّننيه. فقال: أيّ الرجال هو؟ فأراه إياه. فعاد إليه عبد الملك وقال: أنت لقّنته هذا؟ قال: نعم. قال: أفخطأ لقّنته أم صوابا؟ قال: بل خطأ. قال: ولم؟ قال: لأني كنت متحرّما بمائدتك فقال لي كيت وكيت، فأردت أن أكفّه عنّي وأضحكك. قال: فكيف الصواب؟ قال: يقوله الشمّاخ بن ضرار الغطفانيّ في صفة البقر الوحشيّة قد جزأت بالرّطب عن الماء. قال: صدقت وأجازه، ثم قال له: حاجتك؟ قال: تنحّي هذا عن بابك فإنه يشينه.

  سأل كثير يزيد بن عبد الملك عن معنى بيت له فسبه:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال كتب إليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أن أبا عبيدة حدّثه عن غير واحد من أهل المدينة:

  / أن يزيد بن عبد الملك لمّا قدم عليه الأحوص وصله بمائة ألف درهم. فأقبل إليه كثيّر يرجو أكثر من ذلك، وكان قد عوّده من كان قبل يزيد من الخلفاء أن يلقى عليهم بيوت الشعر ويسألهم عن المعاني. فألقى على يزيد بيتا وقال: يا أمير المؤمنين، ما يعني الشمّاخ بقوله:

  فما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقّفة حرون⁣(⁣١)

  تطيف على الرّماة فتتّقيهم ... بأوعال معطَّفة القرون⁣(⁣٢)

  فقال يزيد: وما يضرّ يا ماصّ بظر أمّه ألَّا يعلم أمير المؤمنين هذا! وإن احتاج إلى علمه سأل عبدا مثلك عنه!. فندم كثيّر وسكَّته من حضر من أهل بيته، وقالوا له: إنه قد عوّده من كان قبلك من الخلفاء أن يلقى عليه أشباه هذا، وكانوا يشتهونه منه ويسألونه إياه؛ فطفئ عنه غضبه. وكانت جائزته ثلاثين ألفا، وكان يطمع في أكثر من جائزة الأحوص.

  وأخبرنا أبو خليفة بهذا الخبر عن محمد بن سلَّام فذكر أنه سأل يزيد عن قول الشمّاخ:

  وقد عرقت مغابنها وجادت ... بدرّتها قرى حجن قتين⁣(⁣٣)


= جمع عيناء. والمعنى: أن الوحوش تتخذ كناسين عن جانبي الشجر تستتر فيهما من حر الشمس فترقد قبل زوال الشمس في الكناس الغربي، فإذا زالت الشمس إلى ناحية المغرب وتحول الظل فصار فيئا زالت عن الكناس الغربي ورقدت في الكناس الشرقي. (راجع «ديوانه» ص ٩٤).

(١) كذا في ج و «ديوانه». وقد جاء فيه شرح هذا البيت هكذا: الموقفة: الأروية (أنثى الوعول) التي في قوائمها خطوط كأنها الخلاخيل.

والوقف: الخلخال. والتوقيف: البياض مع السواد. فأراد أن في قوائمها خطوطا تخالف لونها. والحرون: التي تحرن في أعلى الجبل فلا تبرح. وأروى: اسم محبوبته. يريد أن محبوبته ليست بأقرب من هذه الأروية التي لا تنال. وفي سائر الأصول: «مفوقة» وهو تحريف.

(٢) أي تطيف بهذه الأروية الرماة فلا تبرح لأنها في أعلى الجبل ودونها أو عال فلا يصل إليها نبل الرماة، لأنهم يرمون الأوعال لأنها أقرب إليهم فكأنها تقي نفسها بها. وإنما يؤكد بهذا بعدها وأنها لا يقدر عليها.

(٣) كذا في «ديوانه» و «اللسان» مادة «حجن وجحن» والمغابن: الآباط، وقيل: الأرفاغ. والقتين: مثل الحجن، أراد به قرادا سيئ الغذاء، وجعل عرق هذه الناقة قوتا له. وفي الأصول: «بدرتها بها حجن قتين».