كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

- صوت من مدن معبد

صفحة 120 - الجزء 9

  فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب

  فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملَّني أصحابي

  عروضه من الخفيف. الشؤون: الشّعب التي يتداخل بعضها في بعض من عظام الرأس، واحدها شأن مهموزا.

  والجزع: منعطف الوادي. وصفيّ⁣(⁣١) السّباب: جمع صفاة وهي الحجارة. ولقّبت صفيّ السّباب لأن قوما من قريش ومواليهم كانوا يخرجون إليها بالعشيّات يتشاتمون ويذكرون المعايب والمثالب التي يرمون بها؛ فسمّيت تلك الحجارة صفيّ السّباب.

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه قال يقال: صفا السّباب وصفيّ السّباب بفتح الفاء وكسرها جميعا، وهو شعب من / شعاب مكة فيها صفّا أي صخر مطروح. وكانت قريش تخرج فتقف على ذلك الموضع فيفتخرون ثم يتشاتمون وذلك في الجاهلية فلا يفترقون إلا عن قتال؛ ثم صار ذلك في صدر من الإسلام أيضا حتى نشأ سديف مولى عتبة⁣(⁣٢) بن أبي سديف وشبيب مولى بني أميّة، فكان هذا يخرج في موالي بني هاشم وهذا في موالي بني أميّة، فيفتخرون ثم يتشاتمون ثم يتجالدون بالسيوف. وكان يقال لهم السّديفيّة والشّبيبيّة. وكان أهل مكَّة مقتسمين بينهما في العصبيّة؛ ثم درس ذلك فصارت العصبيّة بمكة بين الجزّارين والحنّاطين، فهي بينهم إلى اليوم، وكذلك بالمدينة في القمار وغيره.

  الشعر لكثير بن كثير بن المطَّلب بن أبي وداعة السّهميّ، وقيل: بل هو لكثيّر عزّة. وقد روي في ذلك خبر نذكره. والغناء لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. وذكر عمرو بن بانة أنّ فيه ثقيلا أوّل بالخنصر للغريض ولحنا آخر لابن عبّاد ولم يجنّسه. ولابن جامع في الخامس والسادس رمل بالوسطى. ولابن سريج في الأربعة الأول ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولابن أبي دباكل الخزاعيّ فيها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وأبي أيّوب المدنيّ وحبش. فمن روى هذا الشعر لكثيّر عزّة يرويه:

  إنّ أهل الخضاب قد تركوني

  ويزعم أن كثيّرا قاله في خضاب / خضبته عزّة به.

  ابن عائشة يذكر بحادثة لكثير وعزة فيغني بشعر:

  أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني الزّبيريّ / قال حدّثني بهذا الخبر أيضا وفيه زيادة وخبره أحسن وأكثر تلخيصا وأدخل في معنى الكتاب، قال الزّبيريّ حدّثني أبي قال:

  خرجت إلى ناحية فيد⁣(⁣٣) متنزّها، فرأيت ابن عائشة يمشي بين رجلين من آل الزّبير وإحدى يديه على يد هذا والأخرى على يد هذا، وهو يمشي بينهما كأنه امرأة تجلى على زوجها. فلمّا رأيتهم دنوت فسلَّمت وكنت أحدث القوم سنا، فاشتهيت غناء ابن عائشة فلم أدر كيف أصنع. وكان ابن عائشة إذا هيّجته تحرّك. فقلت: رحم اللَّه كثيّرا


(١) صفيّ: جمع صفا، وصفا جمع صفاة. فصفّى جمع الجمع لصفاة.

(٢) في ج: «مولى بني عتبة بن سديف».

(٣) فيد: منزل بطريق مكة.