ذكر الحارث بن خالد ونسبه
  أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور. فقال: أمّا جذام فأنا في أرومتها(١)، وبحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة، ولو كان لي نفسان لجدت بإحداهما. وأمّا الغيرة فهو أمر لا أحبّ أن أشارك فيه، وإن المرء لحقيق بالغيرة على المرأة مثلك الحمقاء الورهاء لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقذفه في حجره. ثم ذكر باقي خبرها مثل ما تقدّم، وقال فيه: فخلف بعده عليها الفيض بن محمد عمّ يوسف بن عمر، فكان يشرب ويلطمها ويقيء في حجرها، فقالت:
  سمّيت فيضا وما شيء تفيض به ... إلَّا سلاحك بين الباب والدار
  قال المدائنيّ: وتمثّل فيض يوما بهذا البيت:
  إن كنت ساقية يوما على كرم ... صفو المدامة فاسقيها بني قطن
  ثم تحرّك فضرط. فقالت: واسق هذه أيضا بني قطن!.
  أبو عثمان المازني والواثق:
  وهذا الصوت أعني:
  أقوى من آل ظليمة الحزم
  هو الصوت الذي أشخص الواثق له أبا عثمان المازنيّ بسبب بيت منه اختلف في إعرابه بحضرته، وهو قوله:
  أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
  وقال آخرون: «رجل». حدّثني بذلك عليّ بن سليمان الأخفش عن أبي العباس محمد بن يزيد عن أبي عثمان، وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا القاسم بن إسماعيل وعون بن محمد وعبد الواحد بن العبّاس بن عبد الواحد والطيّب بن محمد الباهليّ، يزيد بعضهم على بعض، قالوا حدّثنا أبو عثمان المازنيّ قال:
  كان سبب طلب الواثق لي أنّ مخارقا غنّى في مجلسه:
  أظليم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
  فغنّاه مخارق «رجل» فتابعه بعض القوم وخالفه آخرون. فسأل الواثق عمّن بقي من رؤساء النحويين فذكرت له، فأمر بحملي. فلما وصلت إليه قال: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن. قال: أمن مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة أم مازن اليمن؟ قلت: من مازن ربيعة. فقال لي با اسمك؟ (يريد ما اسمك وهي لغة كثيرة في قومنا) فقلت على القياس: مكر (أي بكر). فضحك فقال(٢): اجلس واطبئنّ (يريد: واطمئنّ) فجلست. فسألني عن البيت.
  فقلت: «إن مصابكم رجلا» فقال: أين خبر «إن»؟ قلت: «ظلم» وهو الحرف الذي في آخر البيت. وقال الأخفش في خبره: وقلت له: إن معنى «مصابكم» إصابتكم، مثل ما تقول: / إنّ قتلكم رجلا حيّاكم ظلم. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن البيت كله معلَّق لا معنى له حتى يتمّ بقوله «ظلم». ألَّا ترى أنه لو قال: أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية، لما احتيج إلى «ظلم» ولا كان له معنى، إلَّا أن يجعل التحية بالسلام ظلما، وذلك محال، ويجب حينئذ أن يقول:
(١) الأرومة (بالفتح وتضم): الأصل.
(٢) لعله: «وقال».