أغاني الخلفاء وأولادهم وأولاد أولادهم
١١ - أغاني الخلفاء وأولادهم وأولاد أولادهم
  من ثبت عنه من الخلفاء أنه غنى ومن لم يثبت عنه ذلك:
  قال مؤلف هذا الكتاب: المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصق بهم منها لا أصل لجلَّه ولا حقيقة لأكثره، لا سيّما ما حكه ابن خرداذبة فإنه بدأ بعمر بن الخطاب ¥ فذكر أنه تغنّى في هذا البيت:
  كأنّ راكبها غصن بمروحة
  ثم والى بين جماعة من الخلفاء واحدا بعد واحد، حتى كأن ذلك عنده ميراث من مواريث الخلافة أو ركن من أركان الإمامة لا بدّ منه ولا معدل عنه، يخبط خبط العشواء ويجمع جمع حاطب الليل. فأمّا عمر بن الخطاب فلو جاز هذا أن يروى عن كل أحد لبعد عنه؛ وإنما روي أنه تمثّل بهذا البيت وقد ركب ناقة فاستوطأها، لا أنه غنّى به، ولا كان الغناء العربيّ أيضا عرف في زمانه إلا ما كانت العرب تستعمله من النّصب(١) والحداء، وذلك جار مجرى الإنشاد إلا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير ورفع للصوت. والذي صحّ من ذلك عن رواة هذا الشأن فأنا ذاكر منه ما كان متقن الصّنعة لاحقا بجيّد الغناء قريبا من صنعة الأوائل وسالكا مذاهبهم لا ما كان ضعيفا سخيفا، وجامع منه ما اتصل به خبر له يستحسن ويجري مجرى هذا الكتاب وما تضمّنه.
  فأوّل من دوّنت له صنعة منهم عمر بن عبد العزيز؛ فإنه ذكر عنه أنه صنع في أيّام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلَّها؛ فبعضها عرفت الشاعر القائل له فذكرت خبره، وبعضها لم أعرف قائله فأتيت به كما وقع إليّ. فإن مرّ / بي بعد وقتي هذا أثبتّه في موضعه وشرحت من أخباره ما اتصل بي، وإن لم يقع لي ووقع إلى بعض من كتب هذا الكتاب فمن أقلّ الحقوق عليه أن يتكلَّف إثباته ولا يستثقل تجشّم هذا القليل فقد وصل إلى فوائد جمّة تجشّمناها له ولنظرائه في هذا الكتاب، فحظي بها من غير نصب ولا كدح؛ فإن جمال ذلك موفّر عليه إذا نسب إليه، وعيبه عنّا ساقط مع / اعتذارنا عنه إن شاء اللَّه.
  ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصّنعة ويقول: إنها أصوات محكمة العمل لا يقدر على مثلها إلَّا من طالت دربته بالصّنعة وحذق الغناء ومهر فيه وتمكَّن منه. ولم يوجد عمر بن عبد العزيز في وقت من الأوقات ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عرف به ولا بمعاشرة أهله، ولا جالس من ينقل ذلك عنه ويؤدّيه؛ وإنما هو شيء يحسّن المغنّون نسبته إليه. وروي من غير وجه خلاف لذلك وإثبات لصنعته إيّاها، وهو أصح القولين؛ لأن الذين أنكروا ذلك لم يأتوا على إنكارهم بحجّة أكثر من هذا الظن والدعوى، ومخالفوهم قد أيّدتهم أخبار رويت.
(١) النصب: غناء للعرب يشبه الحداء إلا أنه أرق.