كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

غناء الواثق

صفحة 194 - الجزء 9

  ولي زفرات لو يدمن قتلنني ... بشوق إلى نادي التي قد تولَّت

  إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى في غد قد أظلَّت

  أيا منشر الموتى أعنّي على التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلَّت

  لقد بخلت حتى لو انّي سألتها ... قذى العين من سافي⁣(⁣١) التراب لضنّت

  فقلت ارحلا يا صاحبيّ فليتني ... أرى كلّ نفس أعطيت ما تمنّت

  حلفت لها باللَّه ما أمّ واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنّت

  وما وجد أعرابيّة قذفت بها ... صروف النّوى من حيث لم تك ظنّت

  إذا ذكرت ماء العضاه وطيبه ... وبطن الحصى من بطن خبت أرنّت

  بأعظم من وجدي بها غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنّت

  غناه إسحاق فوصله وشعره فيه:

  أخبرني جحظة وابن أبي الأزهير ويحيى بن عليّ والحسين بن يحيى قالوا جميعا أخبرنا / حمّاد بن إسحاق عن أبيه، وقد جمعت روايتهم في هذا الخبر وزدت فيه ما نقصه كل واحد منهم حتى كملت ألفاظه، قال:

  ما وصلني أحد من الخلفاء بمثل ما وصلني به الواثق؛ وما كان أحد منهم يكرمني إكرامه. ولقد غنّيته لحني:

  لعلَّك إن طالت حياتك أن ترى ... بلادا بها مبدي لليلى ومحضر

  فاستعاده منّي ليلة⁣(⁣٢) لا يشرب على غيره، ثم وصلني بثلاثمائة ألف درهم. ولقد قدمت عليه في بعض قدماتي، فقال لي: ويحك يا إسحاق! أما اشتقت إليّ! فقلت: بلى واللَّه يا سيّدي! وقلت في ذلك أبياتا إن أمرتني أنشدتها.

  قال: هات؛ فأنشدته:

  أشكو إلى اللَّه بعدي عن خليفته ... وما أقاسيه من همّ ومن كبر

  لا أستطيع رحيلا إن هممت به ... يوما إليه ولا أقوى على السفر

  أنوي الرحيل إليه ثم يمنعني ... ما أحدث الدهر والأيّام في بصري

  ثم استأذنته في إنشاد قصيدة مدحته بها فأذن لي؛ فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:

  لمّا أمرت بإشخاصي إليك هوى ... قلبي حنينا إلى أهلي وأولادي

  ثم اعتزمت فلم أحفل ببينهم ... وطابت النفس عن فضل وحمّاد

  كم نعمة لأبيك الخير أفردني ... بها وخصّ بأخرى بعد إفرادي

  فلو شكرت أياديكم وأنعمكم ... لما أحاط بها وصفي وتعدادي

  لأشكرنّك ما غار النجوم وما ... حدا على الصّبح في إثر الدّجى حاد


(١) ويروى: «ضاحي التراب» (راجع ص ٢٨٠ ص ١٥).

(٢) في ح: «جمعة».