أخبار عدي بن الرقاع ونسبه
  بإخوتنا من معدّ فإنا معدّيّون، واللَّه ما نحن من قصب الشأم ولا من زعاف(١) اليمن. فقال يزيد: إن أجمع قومك على ذلك جعلناك حيث شئت. فبلغ ذلك عديّ بن الرّقاع فقال:
  إنّا رضينا وإن غابت جماعتنا ... ما قال سيّدنا روح بن زنباع
  يرعى ثمانين ألفا كان مثلهم ... ممّا يخالف أحيانا على الرّاعي
  قال: فبلغ ذلك نائل بن قيس الجذاميّ، فجاء يركض فرسه حتى دخل المقصورة في الجمعة الثانية. فلمّا قام يزيد على المنبر، وثب فقال: أين الغادر الكاذب روح بن زنباع؟! فأشاروا إلى مجلسه. فأقبل عليه وعلى يزيد ثم قال:
  يا أمير المؤمنين، قد بلغني ما قال لك هذا، وما نعرف شيئا منه ولا نقرّ به، ولكنّا قوم من قحطان يسعنا ما يسعهم ويعجز عنّا ما يعجز عنهم. فأمسك روح ورجع عن رأيه. فقال عديّ بن الرّقاع في ذلك:
  أضلال ليل ساقط أكنافه ... في الناس أعذر أم ضلال نهار
  قحطان والدنا الذي ندعى له ... وأبو خزيمة خندف بن نزار
  / أنبيع والدنا الذي ندعى له ... بأبي معاشر غائب متواري
  تلك التجارة لا زكاء لمثلها ... ذهب يباع بآنك(٢) وإبار
  / فقال له يزيد: غيّرت يا بن الرّقاع. قال: إنّ ناثلا واللَّه عليّ أعزّهما سخطا، وأنصحهما لي ولعشيرتي. قال أبو عبيدة: الإبار: جمع إبرة.
  ما كان بينه وبين ابن سريج في حضرة الوليد بن عبد الملك:
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جدّه إبراهيم:
  أن الأحوص وابن سريج قدما المدينة(٣)، فنزلا في بعض الخانات ليصلحا من شأنهما، وقد قدم عديّ بن الرّقاع وكانت هذه حاله، فنزل عليهما. فلما كان في بعض الليل أفاضوا في الأحاديث؛ فقال عديّ بن الرّقاع لابن سريج: واللَّه لخروجنا كان إلى أمير المؤمنين أجدى علينا من المقام معك يا مولى بني نوفل. قال: وكيف ذلك؟
  قال: لأنك توشك أن تلهينا فتشغلنا عمّا قصدنا له. فقال له ابن سريج: أو قلَّة شكر أيضا!. فغضب عديّ وقال:
  أنك لتمنّ علينا أن نزلنا عليك؛ وإني أعاهد اللَّه ألَّا يظلَّني وإياك سقف إلا أن يكون بحضرة أمير المؤمنين. وخرج من عندهما. وقدم الوليد من باديته فأذن لهما فدخلا. وبلغه خبر ابن الرّقاع وما جرى بينه وبين ابن سريج؛ فأمر بابن سريج فأخفي(٤) في بيت ودعا بعديّ فأدخله؛ فأنشده قصيدة امتدحه بها. فلما فرغ، أومأ إلى بعض الخدم فأمر ابن سريج فغنّى في شعر عديّ بن الرّقاع يمدح الوليد:
  عرف الديار توهّما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها(٥)
(١) كذا في الأصول: ولعله «من رعان اليمن» أي جبالها أو «من زعانف اليمن».
(٢) الآنك: الرصاص.
(٣) كذا في الأصول. والأحرى أن تكون «دمشق» إذ المعروف أن دمشق كانت عاصمة ملك بني أمية التي كان يقصد إليها الروّاد والوافدون وبها ينزلون.
(٤) كذا في أ، م. وفي سائر الأصول: «فأدخل».
(٥) اعتادها: أعاد النظر إليها مرة بعد أخرى لدروسها حتى عرفها. وشمل: عم. والأبلاد: الآثار.