أخبار عدي بن الرقاع ونسبه
  / فطرب عديّ وقال: لا واللَّه ما سمعت يا أمير المؤمنين بمثل هذا قطَّ ولا ظننت أن يكون مثله طيبا وحسنا. ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائف من الجنّ. أيأذن لي أمير المؤمنين أن أقول؟ قال: قل. قال: مثل هذا عند أمير المؤمنين وهو يبعث إلى ابن سريج يتخطَّى به قبائل العرب فيقال: ابن سريج المغنّي مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه!. فضحك ثم قال للخادم: أخرجه فخرج. فلما رآه عديّ أطرق خجلا ثم قال: المعذرة إلى اللَّه وإليك يا أخي، فما ظننت أنك بهذه المنزلة، وإنك لحقيق أن تحتمل على كل هفوة وخطيئة. فأمر لهم الوليد بمال سوّى بينهم فيه، ونادمهم يومئذ إلى الليل.
  نسبة هذا الصوت المذكور في هذا الخبر وسائر ما مضى في أخبار عدي قبله من الأشعار التي فيها غناء:
  صوت
  عرف الدّار توهّما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
  إلَّا رواكد كلَّهن قد اصطلى ... حمراء أشعل أهلها إيقادها
  عروضه من الكامل. الشعر لعديّ بن الرّقاع. والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق.
  أفحمه كثير في حضرة الوليد بن عبد الملك:
  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
  أنشد عديّ بن الرّقاع الوليد بن عبد الملك قصيدته التي أوّلها:
  عرف الديار توهّما فاعتادها
  وعنده كثيّر وقد كان يبلغه عن عديّ أنه يطعن على شعره ويقول: هذا شعر حجازيّ مقرور إذا أصابه قرّ الشأم جمد وهلك. فأنشده إيّاها حتى أتى على قوله:
  /
  وقصيدة قد بتّ أجمع بينها ... حتى أقوّم ميلها وسنادها(١)
  فقال له كثيّر: لو كنت مطبوعا أو فصيحا أو عالما لم تأت فيها بميل ولا سناد فتحتاج إلى أن تقوّمها. ثم أنشد:
  نظر المثقّف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها
  فقال له كثيّر: لا جرم أنّ الأيام إذا تطاولت عليها عادت عوجاء، ولأن تكون مستقيمة لا تحتاج إلى ثقاف أجود لها.
  ثم أنشد:
  وعلمت حتى ما أسائل واحدا ... عن علم واحدة لكي أزدادها
  فقال كثيّر: كذبت وربّ البيت الحرام! فليمتحنك أمير المؤمنين بأن يسألك عن صغار الأمور دون كبارها حتى يتبيّن جهلك. وما كنت قطَّ أحمق منك الآن حيث تظنّ هذا بنفسك. فضحك الوليد ومن حضر، وقطع بعديّ بن الرّقاع حتى ما نطق.
(١) يريد بالسناد هنا عيبا في الشعر. والسناد في اصطلاح العروضيين هو اختلاف الحرف الذي قبل الردف بالفتح والكسر. والردف هو حرف اللين الذي قبل الرويّ. (انظر الكلام عليه في «العقد الفريد» ج ٣ ص ٢٢٢ - ٢٢٣ طبع بولاق، و «اللسان» مادة «سند»).