كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المعتز في الأغاني ومع المغنين وما جرى هذا المجرى

صفحة 218 - الجزء 9

  أخبر بوفاة أم يونس بن بغا ففتر المجلس ثم عاد أحسن ما كان:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني محمد بن يحيى بن أبي عبّاد قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال:

  شرب المعتزّ ويونس بن بغا بين يديه يسقيه والجلساء والمغنّون بين يديه وقد أعدّ الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا أمير المؤمنين، / والدة عبدك يونس في الموت وهي تحبّ أن تراه؛ فأذن له فخرج. وفتر المعتزّ ونعس بعده، وقام الجلساء وتفرّق المغنّون، إلى أن صلَّيت المغرب، وعاد المعتزّ إلى مجلسه، ودخل يونس وبين يديه الشموع. فلما رآه المعتزّ دعا برطل فشربه وسقى يونس رطلا وغنّاه المغنّون، وعاد المجلس أحسن ما كان؛ فقال المعتزّ:

  صوت

  تغيب فلا أفرح ... فليتك ما تبرح

  وإن جئت عذّبتني ... بأنّك لا تسمح

  فأصبحت ما بين ذي ... ن لي كبد تجرح

  على ذاك يا سيّدي ... دنوّك لي أصلح

  ثم قال: غنّوا فيه، فجعلوا يفكَّرون. فقال المعتزّ لسليمان بن القصّار الطَّنبوريّ: ويلك! ألحان الطَّنبور أملح وأخفّ فغنّ فيه أنت؛ فغنّى فيه لحنا؛ فدفع إليه دنانير / الخريطة وهي مائة دينار مكيّة ومائتان مكتوب على كلّ دينار منها «ضرب هذا الدينار بالجوسق بخريطة⁣(⁣١) أمير المؤمنين المعتزّ باللَّه» ثم دعا بالخلع والجوائز لسائر الناس، فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس.

  لحن سليمان بن القصّار في هذه الأبيات رمل مطلق.

  لما قتل بغا هنأه الناس بالظفر:

  حدّثني الصّوليّ قال حدّثني محمد بن عبد السميع الهاشميّ قال حدّثني أبي قال:

  لمّا قتل بغا⁣(⁣٢) دخلنا فهنأنا المعتزّ بالظَّفر، فاصطبح ومعه يونس بن بغا، وما رأينا قطَّ وجهين اجتمعا أحسن من وجهيهما. فما مضت ثلاث ساعات حتى سكر، ثم خرج علينا المعتزّ فقال:

  ما إن ترى منظرا إن شئته حسنا ... إلَّا صريعا يهادى⁣(⁣٣) بين سكرين

  سكر الشراب وسكر من هوى رشأ ... تخاله والذي يهواه غصنين


(١) لعله: «لخريطة أمير المؤمنين» أي ضربت لخزانته الخاصة.

(٢) هو أحد قوّاد الأتراك المبرزين وقد اشترك في قتل المتوكل بدسيسة من ابنه المنتصر، وكان يتولى الحرس ليلة قتل فسهل للقتلة الدخول للقصر. خدم عدّة خلفاء في الدولة العباسية. وجفاه المعتز فوكل به وليدا المغربي فقتله غيلة وحمل رأسه إليه، فوهبه عشرة آلاف دينار وخلع عليه خلعة، ونصب رأسه بسامرا ثم ببغداد. (راجع الطبري القسم الثالث ص ١٤٥٨ - ١٤٦١، ١٦٩٤ - ١٤٩٧).

(٣) جاء فلان يهادي بين اثنين مهاداة (بالبناء للمفعول): جاء يتمايل.