4 - أخبار ابن سريج ونسبه
  قالوا: وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة؟ قال: مخرج كلّ ما أسمعتموني من الغناء من الرأس، ومخرج هذا من الصّدر.
  تحكيم الأفلح المخزوميّ في غناء رقطاء الحبطية وصفراء العلقمية
  أخبرني الحسن(١) بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدّثني أبي قال حدّثني إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال:
  / جاء سندة(٢) الخيّاط المغنّي إلى الأفلح(٣) المخزوميّ - وكان يوصف بعقل وفضل - فقال له: من أين أقبلت؟ وإلى أين تمضي؟ فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيّين أقبلت محاكما إليك. قال: فيماذا؟ قال:
  كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه رقطاء الحبطيّين،(٤) وصفراء العلقميّين، فتناولتا بينهما رمل ابن سريج:
  ليت شعري كيف أبقى ساعة ... مع ما ألقى إذا الليل حضر
  من يذق نوما ويهدأ ليله ... فلقد بدّلت بالنوم السّهر
  قلت مهلا إنها جنّيّة ... إن نخالطها تفز منها بشرّ
  / فغنّتاه جميعا، واختلفنا في تقضيلهما، ففضّل كلّ فريق منّا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا وبينهما. قال: فوجم ساعة - وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأمّلوا ساعة ثم حكموا، فإذا حكم المحكَّم مضى حكمه كائنا ما كان، ففضّل من فضّله وأسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به - فكره الأفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين، فقال لسندة(٢): صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنّتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، وأنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة(٢) أمّا جارية الحبطيين(٤)، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغنّ(٥)، واللَّه ما ابتدأته فتوسّطته وأنا أعقل، ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظنّ أنّي رأيته في نومي. وأما صفراء العلقميّين، فإنها أحسنهما حلقا، وأصحّهما صوتا، وألينهما تثنّيا، واللَّه ما سمعها أحد قطَّ فانتفع بنفسه ولا دينه. / هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم. فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيّهما نظرت أبصرت، ولو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.
  ثناء جرير المدينيّ على ابن سريّج
  أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلَّام قال:
  سألت جريرا المدينيّ(٦) عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، ولا تقول: سيّد من غنّى وواحد من ترنّم!
(١) في ح، ر: «الحسين» وهو تحريف؛ إذ هو الحسن بن عليّ الخفاف، وقد تقدّم كثيرا أنه يروي عن محمد بن القاسم بن مهرويه.
(٢) لم نعثر على ضبطه.
(٣) في ر: «الأقلح». وفي ت: «الأبلج». وفي أ، م، ء: «الأبلح». ولم نعثر عليه حتى نرجح إحداها.
(٤) في ح، ر: «الحبطية». وفي ت، م، ء، أ: «الحنطبيين».
(٥) في ت: «أرن» من الرنين وهو الصوت.
(٦) في ح، ر: «المدنيّ».