كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مروان بن أبي حفصة ونسبه

صفحة 296 - الجزء 10

  أخبرنا أحمد بن عمّار وقال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال سمعت أبي يقول:

  كان المهديّ يعطي مروان وسلما الخاسر عطيّة واحدة، وكان سلم يأتي باب المهديّ على البرذون قيمته عشرة آلاف درهم، والسّرج واللجام المقذوذين⁣(⁣١)؛ ولباسه الخزّ والوشي وما أشبه ذلك من الثياب الغالية الأثمان، ورائحة المسك والغالية والطَّيب تفوح منه، ويجيء مروان وعليه فرو كبش، وقميص كرابيس⁣(⁣٢) وعمامة كرابيس، وخفّا كبل⁣(⁣٣) وكساء غليظ منتن الرائحة، وكان لا يأكل اللَّحم بخلا حتى يقرم⁣(⁣٤) إليه، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله. فقيل له: نراك لا تأكل إلَّا الرؤوس في الصّيف والشتاء، فلم تختار ذلك؟ قال:

  نعم! الرأس أعرف سعره، ولا يستطيع الغلام أن يغبنني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، إن مسّ عينا أو أذنا أو خدّا وقفت عليه، فآكل منه ألوانا، آكل عينيه لونا، وأذنيه لونا، وغلصمته⁣(⁣٥) لونا، وأكفى مؤنة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق.

  أخبرنا يحيى بن عليّ قال أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر عن أبي العلاء المنقريّ قال حدّثني موسى بن يحيى قال:

  أوصلنا إلى مروان بن أبي حفصة في وقت من الأوقات سبعين ألف درهم، وجمع إليها مالا حتى تمّت مائة وخمسين ألف درهم، وأودعها يزيد بن مزيد.

  / قال: فبينا نحن عند يحيى بن خالد إذ دخل يزيد بن مزيد، وكانت فيه دعابة، فقال: يا أبا عليّ أودعني مروان خمسين ومائة ألف درهم وهو يشتري الخبز من البقّال. قال فغضب يحيى ثم قال: عليّ / بمروان، فأتي به. فقال له: أخبرني أبو خالد لما أودعته من المال وما تبتاعه من البقّال، واللَّه لما يرى من أثر البخل عليك أضرّ من الفقر لو كان بك.

  أخبرنا يحيى قال وحدّثني عمر بن شبّة عن أبي العلاء المنقريّ عن موسى بهذا الخبر، إلَّا أنه قال: فقال له يحيى: يا مروان، واللَّه لا بالبخل أسوأ عليك أثرا من الفقر لو صرت إليه، فلا تبخل.

  أخبرنا يحيى قال حدّثني عمر بن شبّة قال:

  بلغني أن مروان بن أبي حفصة قال ما فرحت بشيء قطَّ فرحي بمائة ألف وهبها لي أمير المؤمنين المهديّ، فوزنتها فزادت درهما فاشتريت به لحما.

  أخبرنا يحيى قال حكى أبو غسّان عن أبي عبيدة عن جهم بن خلف قال:

  أتينا اليمامة فنزلنا على مروان بن أبي حفصة، فأطعمنا تمرا، وأرسل غلامه بفلس وسكرّجة⁣(⁣٦) ليشتري له زيتا. فلما جاء بالزّيت قال لغلامه: خنتني! قال: من فلس كيف أخونك! قال: أخذت الفلس لنفسك واستوهبت الزيت.


(١) المقذوذ: المزين المسوّى.

(٢) الكرابيس: جمع كرباس وهو هنا الثوب الخشن.

(٣) الكبل: الكثير الصوف من الفراء.

(٤) كذا في أ، ح وقرم إلى اللحم اشتدت شهوته له. وفي «الأصول»: «يقدم» بالدال المهملة وهو تحريف.

(٥) الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق، وقيل رأس الحلقوم بشواربه.

(٦) السكرجة: الصحفة.