4 - أخبار ابن سريج ونسبه
  ويقيم الإعراب، ويستوفي النّغم الطَّوال، ويحسّن مقاطيع النّغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النّبرات، ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النّقرات. فعرضت ما قال على معبد، فقال: لوجاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا.
  يزيد بن عبد الملك ومولى حبابة المغنية
  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني الزّبير بن بكَّار عن ظبية(١):
  / أنّ يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما: أتعرفين أحدا هو أطرب منّي؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني.
  فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيّدا(٢)، وأعلم بحاله فأذن في إدخاله، فمثل بين يديه وحبابة وسلَّامة تغنّيان؛ فغنّته سلَّامة لحن الغريض في:
  تشطَّ غدا دار جيراننا
  فطرب وتحرّك في أقياده. ثم غنّته حبابة لحن ابن سريج المجرّد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل(٣) في قيده ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني فيه، حتى دنا من الشّمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت، وجعل يصيح:
  الحريق الحريق يا أولاد الزّنا. فضحك يزيد وقال: هذا واللَّه أطرب الناس حقّا، ووصله وسرّحه إلى بلده.
  سماع عطاء وابن جريج لغناء ابن سريج
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق:
  أنّ ابن سريج كان جالسا، فمرّ به عطاء وابن جريح، فحلف عليهما بالطَّلاق أن يغنّيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه. فوقفا له وغنّاهما:
  إخوتي لا تبعدوا أبدا ... وابلى(٤) واللَّه قد بعدوا
  فغشي على ابن جريج، وقام عطاء فرقص. ونسبة هذا الصوت وخبره يذكر في موضع آخر.
  غناء ابن سريج عند بستان ابن عامر ووقفه الحاج لاستماع غنائه
  أخبرني الحسن قال حدّثنا الفضل عن إسحاق:
  أنّ ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغنّي:
  /
  لمن نار بأعلى الخي ... ف(٥) دون البئر ما تخبو
(١) في ت: «طيبة».
(٢) في ب، س: «فأمر بإشخاصه إليه مقيدا». وفي ت: «فأمر فأشخص إليه مقيدا».
(٣) حجل المقيد من بابي قتل وضرب حجلا وحجلانا: رفع رجلا وتريّث في مشيه على رجله الأخرى.
(٤) كذا في ر. وواهنا: اسم لأعجب؛ كقوله:
وابأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنما ذرّ عليه الزرنب
وفي سائر النسخ: «وبلي» بغير ألف. ولعلها سقطت من الناسخ.
(٥) في ح، ر: «الخبت» وكلاهما اسم موضع. والخبت في الأصل: المطمئن من الأرض. والخفيف: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء.