كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار ابن سريج ونسبه

صفحة 254 - الجزء 1

  وفاة ابن سريج في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:

  قال ابن مقمّة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى؟ فقال:

  أصبحت واللَّه كما قال الشاعر:

  / كأنّي من تذكَّر ما ألاقي ... إذا ما أظلم الليل البهيم

  سقيم ملّ منه أقربوه⁣(⁣١) ... وأسلمه المداوي والحميم

  ثم مات.

  قال إسحاق: قال ابن مقمّة: لمّا احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، وقال: إنّ من أكبر همّي أنت، وأخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنّيت شيئا إلا وأنا أغنّيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغنّي أصواتا وهو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهوّنت عليّ أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذليّ فزوّجه إيّاها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير⁣(⁣٢) السّهمي يرثيه:

  ما اللهو بعد عبيد حين يخبره ... من كان يلهو به منه بمطَّلب

  للَّه قبر عبيد ما تضمّن من ... لذاذة العيش والإحسان والطرب

  لولا الغريض ففيه من شمائله⁣(⁣٣) ... مشابه⁣(⁣٤) لم أكن فيها بذي أرب

  قال إسحاق: وحدّثني هشام بن المريّة أنّ قادما قدم المدينة فسارّ معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء. فقلنا: أو لم تكن كذلك؟ فقال: ألا تدرون ما أخبرني به هذا؟ قالوا لا. قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حيّ. وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة:

  صوت

  قالت وعيناها تجودانها ... صوحبت واللَّه لك الرّاعي

  يا بن سريج لا تذع سرّنا ... قد كنت عندي غير مذياع

  غنّى فيه ابن سريج من راوية يونس.


= أن يكون ابن سريج، قالوا: هو هو. قال: أدخلوه فأدخل، فأمره بإعادة الصوت فأعاده. فقال: خذ البدرة، وأمر للمغنين بأخرى.

وظاهر أن هذه الجملة إنما يناسب أن تكون بعد قوله: وغنى:

سرى همى وهم المرء يسرى

ولا حاجة إذا إلى قوله فيما مضى: فأمر سليمان بدفع البدرة إليه.

(١) في «خزانة الأدب» للبغدادي: سليم بان عنه أقربوه

(٢) في ح، ر: «كثير بن أبي كثير».

(٣) كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ

: «ففيه من مشابهة ... شمائل «

(٤) يقال: فيه مشابه من فلان أي أشباه (أشياء يتشابهان فيها) ولم يقولوا في واحدته مشبهة وقد كان قياسه ذلك، ولكنهم استغنوا بشبه عنه؛ فهو من باب ملامح ومحاسن ومساوئ ومقابح واحدها لمحة وحسن وسوء وقبح، استغنوا بها عن لفظ واحدها.