كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار ابن سريج ونسبه

صفحة 255 - الجزء 1

  قال أبو أيّوب المديني: توفّي ابن سريج بالعلَّة التي أصابته من الجذام بمكة، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد، بمكة ودفن في موضع بها يقال له دسم⁣(⁣١).

  وقفة على قبر ابن سريج بدسم

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال أخبرني هارون⁣(⁣٢) بن أبي بكر قال حدّثني إسحاق بن يعقوب العثمانيّ مولى آل عثمان عن أبيه قال:

  إنّا لبفناء دار عمرو⁣(⁣٣) بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثّمان - يعني / أيام الحجّ - قال: كنت جالسا أيام الحجّ، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا، فوقفا عليّ وسألاني، فانتسبت لهما عثمانيّا. فنزلا وقالا: رجلان من أهلك لهما حاجة ونحبّ أن تقضيها قبل أن نشده⁣(⁣٤) بأمر الحجّ. فقلت ما حاجتكما؟ قالا؟ نريد إنسانا يقفنا⁣(⁣٥) على قبر عبيد بن سريج. قال:

  فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلَّة بني أبي قارة⁣(⁣٦) من خزاعة بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتّى / يقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل⁣(⁣٧) فأنهضته معهما. فأخبرني بعد: أنه لمّا وقفهما⁣(⁣٨) على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه، فإذا هو عبد اللَّه بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجيّ كليل حسن ويقول:

  وقفنا على قبر بدسم فهاجنا ... وذكَّرنا بالعيش إذ هو مصحب⁣(⁣٩)

  فجالت بأرجاء الجفون سوافح ... من الدّمع تستتلي الذي يتعقّب

  إذا أبطأت عن ساحة الخدّ ساقها ... دم بعد دمع إثره يتصبّب

  فإن تسعدا نندب عبيدا بعولة⁣(⁣١٠) ... وقلّ له منّا البكا والتّحوّب⁣(⁣١١)

  ثم نزل صاحبه فعقر ناقته، وقال له القرشيّ: خد في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنّى⁣(⁣١٢):


(١) دسم: موضع قرب مكة، كما في «ياقوت».

(٢) كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «أخبرني أخي هارون بن أبي بكر».

(٣) في ت، ر: «عمر».

(٤) نشده أي نشغل.

(٥) كذا في ت، ح، ر وفي سائر النسخ: «يوقفنا» وهما لغتان، والثلاثي أفصح، بل قيل إن الرباعي غير مسموع، وقيل إنه غير فصيح.

(انظر «القاموس» و «شرحه» للمرتضى مادة وقف).

(٦) في ر: «بني قارة» وفي ب، أ، ء: «بني أبي فارة». وفي ت، ح: «بني فارة».

(٧) كذا ضبطه في «شرح القاموس» (مادة دبكل) وقال: إنه شاعر خزاعيّ من شعراء الحماسة، ومعناه الغليظ الجلد السمج. وقال التبريزي في «شرح الحماسة» طبع أوروبا ص ٥٩٤: إنه علم مرتجل وليس منقولا من جنس.

(٨) كذا في ت، ح، ر، م. وفي سائر الأصول: «أوقفهما».

(٩) المصحب: الذليل المنقاد بعد صعوبة.

(١٠) يقال: أعول وعوّل، إذا رفع صوته بالبكاء والصياح، والاسم منه العول والعولة والعويل.

(١١) التحوّب: التوجع. وفي ح، ر، ب، س: «التنحب» من النحيب وهو أشدّ البكاء. ولم نجد هذه الصيغة من هذه المادة في «كتب اللغة».

(١٢) الشعر لكثير بن كثير بن الصلت السهمي، كما في «ياقوت» مادتي الحصاب والسباب.