كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار ابن سريج ونسبه

صفحة 256 - الجزء 1

  أسعداني بعبرة أسراب⁣(⁣١) ... من دموع كثيرة التّسكاب

  إنّ أهل الحصاب قد تركوني ... مولها مولعا بأهل الحصاب

  أهل بيت تتابعوا⁣(⁣٢) للمنايا ... ما على الموت بعدهم من عتاب

  فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذاق ميتة من إياب

  / كم بذاك الحجون⁣(⁣٣) من أهل⁣(⁣٤) صدق ... كهول أعفّة وشباب

  سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النّخل من صفيّ السّباب⁣(⁣٥)

  فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فردا وملَّني أصحابي

  قال ابن أبي دباكل: فو اللَّه ما تمّم صاحبه منها ثلاثا⁣(⁣٦) حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السّرج على بغلته وهو غير معرّج عليه. فسألته من هو؟ فقال: رجل من جذام. قلت: بمن تعرف؟ قال: بعبد اللَّه بن المنتشر.

  قال: ولم يزل القرشيّ على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذاميّ ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له:

  أنت أبدا مصبوب⁣(⁣٧) على نفسك! ومن كلَّفك ما ترى! ثم قرّب إليه الفرس، فلمّا علاه استخرج الجذاميّ من خرج على بغل قدحا وإداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج وصبّ عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السّلوة⁣(⁣٨) فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل وأردفني. فخرجا واللَّه ما يعرّضان بذكر شيء مما كنا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل / ذلك. فلمّا اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل يا خزاعيّ فنزلت. وأومأ الفتى إلى الجذاميّ بكلام، فمدّ يده إليّ وفيها شيء فأخذته، فإذا هو عشرون دينارا، ومضيا. فانصرفت إلى قبره / ببعيرين، فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتها⁣(⁣٩) بثلاثين دينارا.


(١) كذا في أكثر النسخ، وهو جمع سرب وهو الماء السائل. وفي ب، س، ح: «أترابي» ولعله تحريف.

(٢) في س: «تتايعوا» بالياء المثناة. والتتايع: الوقوع في الشر من غير فكر ولا روية والمتابعة عليه والتهافت فيه، ولا يكون في الخير.

وقد قيل: إن التتابع في الشر كالتتابع في الخير.

(٣) الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.

(٤) رواية ياقوت في الكلام على صفيّ السباب:

كم بذاك الحجون من حيّ صدق ... من كهول أعفّة وشباب

(٥) قال الزبير: بيت أبي موسى الأشعري وصفي السباب: ما بين دار سعيد الحرشيّ التي تناوح بيوت أبي القاسم بن عبد الواحد التي في أصلها المسجد الذي صلَّي عنده على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، وكان به نخل وحائط لمعاوية فذهب، ويعرف بحائط خرمان. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).

(٦) كذا في ج، ر. وفي سائر النسخ: «ثالثا».

(٧) كذا في ت، ح، ر، أي محثوث على اتباعها تستغويك فتسلس لها القياد. وفي سائر النسخ: «منصوب» ولعله تحريف.

(٨) قال ابن سيده: والسّلوة والسّلوانة: خرزة شفافة إذا دفنتها في الرمل ثم بحثت عنها رأيتها سوداء يسقاها الإنسان فتسليه، وقيل: أن يؤخذ من تراب قبر ميت فيذرّ على الماء ويسقاه العاشق ليسلو؛ قال عروة بن حزام:

جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف نجد إن هما شفياني

فقالا نعم نشفي من الداء كله ... وقاما مع العوّاد يبتدران

فما تركا من رقية يعرفانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني

(٩) في الأصول: «فبعتهما». ومرجع الضمير «أداة الراحلتين».