كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

بعض أخبار إبراهيم بن المهدي

صفحة 343 - الجزء 10

  وأمّا الرّياسة فقد جعلها اللَّه لك على أهل هذا العمل، ولا رياسة لي عليهم ولا لك عليّ؛ لأني في العلم مناظر وفي العمل متلذّذ. فلا تظلمني ولا نفسك لي.

  ومن بعد فإني أحبّ أن تخبرني كيف أنت اليوم بعد. واللَّه غممتني، لاغمّك اللَّه ولا غمّني بك. ولو شئت أرسلت إلى يحيى بن خالد طبيب أخي عبيد اللَّه فإنه رفيق مبارك عليم، وهو منك قريب في دار الرّوم، أخذت برأيه ومن علاجه. وهب اللَّه لك العافية ووهبها لي فيك برحمته.

  وإنّما ذكرت هذا الابتداء وجوابه على طولهما، وهما قليل من كثير من مكاتباتهما، لتعرف بهما طرفا من مقدارهما في المنازعة والمجادلة، وأن إسحاق كان يريد من إبراهيم التّواضع له والخنوع برياسته ويتحامل عليه في بعض / الأوقات، وينحو إبراهيم نحو ما فعله به؛ لأنّ نفسه تأبى ما يريده إسحاق منه، فيستعمل معه من المباينة مثل ما استعمله، ويكونان في طرفين من الظَّلم يبعد كلّ واحد منهما عن إنصاف صاحبه. وقد روى يوسف بن إبراهيم أخبارا فيما جرى بينهما - فوجدت كلامهما مرصوفا رصف إبراهيم بن المهديّ ومنظوما نظم منطقه - فيها تحامل على إسحاق شديد، وحكايات ينسب من نقلها إلى جهل بصناعته كان إسحاق بعيدا من مثله، فعلمت أن إبراهيم عمل ذلك وألَّفه وأمر يوسف بنشره في الناس ليدور في أيديهم ذكر له يفضل به. وذلك بعيد وقوعه، ولن تدفع الحقائق بالأكاذيب، ولا يزيل / الخطأ الصواب، ولا الخطل السداد. وكفى من نضح عن إسحاق بأن أغاني إبراهيم بن المهديّ لا يكاد يعرف منها صوت ولا يروى منها إلَّا اليسير، وأنّ كلامه في تجنيس الطرائق اطَّرح، وعمل على مذهب إسحاق، وانقضى الصّنع لإبراهيم بذلك مع انقضاء مدّته، كما يضمحلّ الباطل مع أهله. فعدلت عن ذكر تلك الأخبار؛ لا لأنّها لم تقع إليّ، ولكنّها أخبار يتبين فيها التحامل والحنق، وتتضمّن من السبّ لإسحاق والشتم والتجهيل ما يعلم أنه لم يكن يقضي على مثله لأحد ولو خاف القتل⁣(⁣١)، فاستبردت ذلك واطَّرحته، واعتمدت من أخبار إبراهيم على الصحيح، وما جرى مجرى هذا الكتاب من خبر مستحسن وحكاية ظريفة دون ما يجري مجرى التحامل؛ فقد مضى في صدر الكتاب من أخبارهما وإغصاص إسحاق إيّاه بريقه وتجريعه أمرّ من الصبر ما ينبئ عن بطلان غيره.

  وممن صنع من أولاد الخلفاء عليّة بنت المهديّ، ولا أعلم أحدا منهم بعد إبراهيم أخيها كان يتقدّمها. وكان يقال: ما اجتمع في الجاهلية ولا الإسلام أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهديّ وعليّة أخته. وأخبارها تذكر بعد هذا تالية لما أذكره من غنائها. فمن صنعتها:

  صوت

  تضحك عمّا لو سقت منه شفا ... من أقحوان بلَّه قطر النّدى

  أغرّ يجلو عن غشا العين العشا ... حلو بعيني كلّ كهل وفتى

  إنّ فؤادي لا تسلَّيه الرّقى ... لو كان عنها صاحيا لقد صحا

  الشعر لأبي النّجم العجليّ. والغناء لعليّة بنت المهديّ رمل بالوسطى.


(١) في هذه الجملة غموض. ولعلها تصح على هذا الوجه ... ما يعلم أنه لم يكن يقضي بمثله على أحد ولو خاف القتلى» أو نحو ذلك.