كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي النجم ونسبه

صفحة 345 - الجزء 10

  قال له فتيان من عجل: هذا رؤبة بالمربد⁣(⁣١) يجلس فيسمع شعره وينشد الناس ويجتمع إليه فتيان من بني تميم، فما يمنعك من ذلك؟ قال: أو تحبّون هذا؟ قالوا نعم. قال: فأتوني بعسّ⁣(⁣٢) من نبيذ فأتوه به، فشربه ثم نهض وقال:

  إذا اصطبحت أربعا عرفتني ... ثم تجشمت الذي جشّمتني

  فما رآه رؤبة أعظمه وقام له عن مكانه وقال: هذا رجّاز العرب. وسألوه أن ينشدهم فأنشدهم:

  الحمد للَّه الوهوب المجزل

  وكان إذا أنشد أزبد ووحش بثيابه (أي رمى بها). وكان من أحسن الناس إنشادا. فلما فرغ منها قال رؤبة:

  هذه أمّ الرّجز. ثم قال: يا أبا النّجم، قد قرّبت مرعاها إذ جعلتها بين رجل وابنه. يوهم عليه رؤبة أنه حيث قال:

  تبقّلت⁣(⁣٣) من أوّل التّبقّل ... بين رماحي مالك ونهشل

  أنه يريد نهشل بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم. فقال له أبو النّجم: هيهات! الكمر⁣(⁣٤) تشابه. أي إني إنما أريد مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل. ونهشل قبيلة من ربيعة وهؤلاء يرعون الصّمّان⁣(⁣٥) / وعرض الدّهناء. قال أبو عمرو: وكان سبب ذكر هاتين القبيلتين (يعني بني مالك ونهشل) أنّ دماء كانت بين بني دارم وبني نهشل وحروبا في بلادهم، فتحامى جميعهم الرّعي فيما بين فلج⁣(⁣٦) والصّمّان مخافة أن يعرّوا⁣(⁣٧) بشرّ حتى عفا⁣(⁣٨) كلؤه وطال، فذكر أنّ بني عجل جاءت لعزّها إلى ذلك الموضع فرعته ولم تخف من هذين الحيّين، ففخر به أبو النّجم. قال: ويدلّ على ذلك قول الفرزدق:

  أترتع بالأحياء سعد بن مالك ... وقد قتلوا مثنى بظنّة⁣(⁣٩) واحد

  فلم يبق بين الحيّ سعد بن مالك ... ولا نهشل إلا دماء الأساود⁣(⁣١٠)

  ترتيب الرجاز في رأي بعض الرواة:

  وقال الأصمعيّ: قيل لبعض رواة العرب: من أرجز النّاس؟ قال: بنو عجل ثم بنو سعد ثم بنو عجل ثم بنو سعد. (يريد الأغلب ثم العجّاج ثم أبا النّجم ثم رؤبة).


(١) يعني مربد البصرة وهو من أشهر محالها، وكانت به سوق الإبل قديما ثم صار محلَّة عظيمة سكنها الناس، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء.

(٢) العس: القدح الكبير.

(٣) تبقلت: خرجت لطلب البقل.

(٤) الكمر: جمع كمرة، وهي رأس الذكر. يريد أن الرجال اختلطت عليك. وقد صار هذا مثلا، ولفظه «الكمر أشباه الكمر».

(٥) الصمان: أرض فيها غلظ وارتفاع، وفيها قيعان واسعة ورياض معشبة، وإذا أخصبت ربعت العرب جميعا. وكان الصمان في قديم الدهر لبني حنظلة، والحزن لبني يربوع، والدهناء لجماعتهم، والصمان متاخم للدهناء والعرض: الوادي.

(٦) فلج: علم على عدّة مواضع.

(٧) يعروا: يصابوا. وفي الأصول: «يغروا». بالغين المعجمة وهو تصحيف.

(٨) عفا: كثر.

(٩) الظنة: التهمة.

(١٠) الأساود: شخوص القتلى، وهو جمع الجمع للسواد؛ ومنه قول الأعشى:

تناهيتم عنا وقد كان فيكم ... أساود صرعى لم يسوّد قتيلها