أخبار علي بن الجهم ونسبه
  فقالوا له: أحسنت تعادينا وتوصل رقعة عدوّنا في هجائنا! فانصرف بيدون وقام المعتزّ فانصرف. واستلب ابن حمدون قوله:
  وكنت كعزّون أو كابن عمرو ... مبيح العيال لمن أولدا
  / فجعل ينشدهم إيّاه وهم يشتمون ابن حمدون ويضجّون والمتوكَّل يضحك ويصفّق ويشرب حتى سكر ونام، وسرقوا قصيدته من بين يدي المتوكَّل وانصرفوا، ولم يوقّع بإطلاقه ونسيه. فقالوا لابن حمدون: ويلك! تعيد هجاءنا وشتمنا! فقال: يا حمقى واللَّه لو لم أفعل ذلك فيضحك ويشرب حتى يسكر وينام لوقّع في إطلاقه ووقعنا معه في كلّ ما نكره.
  هنأ المتوكل بفتح أرمينية:
  أخبرني عليّ بن الحسين قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني أحمد بن حمدون قال:
  لمّا افتتحت أرمينية وقتل إسحاق بن إسماعيل(١) دخل عليّ بن الجهم فأنشد المتوكَّل قصيدته التي يهنّيه فيها بالفتح ويمدحه، فقال فيها وأومأ بيده إلى الرسول الوارد بالفتح وبرأس إسحاق بن إسماعيل:
  أهلا وسهلا بك من رسول ... جئت بما يشفي من الغليل
  بجملة تغني عن التفصيل ... برأس إسحاق بن إسماعيل ... قهرا بلا ختل ولا تطويل
  / فاستحسن جميع من حضر ارتجاله هذا وابتداءه، وأمر له المتوكَّل بثلاثين ألف درهم، وتمّم القصيدة. وفيها يقول:
  جاوز نهر الكرّ(٢) بالخيول ... تردي بفتيان كأسد الغيل
  معوّدات طلب الذّحول(٣) ... خزر(٤) العيون طيبي(٥) النّصول
  شعث على شعث من الفحول ... جيش يلفّ الحزن بالسّهول
  كأنّه معتلج(٦) السّيول ... يسوسه كهل من الكهول
  لا ينثني للصّعب والذّلول ... على أغرّ واضح الحجول
  حتى إذا أصحر(٧) للمخذول ... ناجزه بصارم صقيل
  ضربا طلحفا(٨) ليس بالقليل ... ومنجنيق(٩) مثل حلق الفيل
(١) هو إسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية، ظفر به بغا وأحرق مدينة تفليس سنة ٢٣٨ هـ.
(٢) الكر (بضم أوّله): نهر بين أرمينية وأرّان يشق مدينة تفليس. وتردى الخيل رديا ورديانا: ترجم الحصا بحوافرها من شدة وطئها.
(٣) في أكثر الأصول: «الدخول» بالدال والخاء وهو تصحيف وفي ج: «الدحول» بالدال والحاء المهملتين. والذحول: جمع ذحل وهو الثأر.
(٤) خزر: جمع أخزر وخزراء. وخزر العين: ضيقها، وهو كناية عن الغضب.
(٥) في ج: «طيب» وفي أ، م هكذا: «حيتي». وفي ب، س: «صيتي».
(٦) اعتلجت الأمواج والسيول: التطمت.
(٧) أصحر: برز.
(٨) طلحفا: شديدا.
(٩) المنجنيق: آلة ترمى بها الحجارة. فارسي معرّب.