كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علي بن الجهم ونسبه

صفحة 404 - الجزء 10

  فقالوا له: أحسنت تعادينا وتوصل رقعة عدوّنا في هجائنا! فانصرف بيدون وقام المعتزّ فانصرف. واستلب ابن حمدون قوله:

  وكنت كعزّون أو كابن عمرو ... مبيح العيال لمن أولدا

  / فجعل ينشدهم إيّاه وهم يشتمون ابن حمدون ويضجّون والمتوكَّل يضحك ويصفّق ويشرب حتى سكر ونام، وسرقوا قصيدته من بين يدي المتوكَّل وانصرفوا، ولم يوقّع بإطلاقه ونسيه. فقالوا لابن حمدون: ويلك! تعيد هجاءنا وشتمنا! فقال: يا حمقى واللَّه لو لم أفعل ذلك فيضحك ويشرب حتى يسكر وينام لوقّع في إطلاقه ووقعنا معه في كلّ ما نكره.

  هنأ المتوكل بفتح أرمينية:

  أخبرني عليّ بن الحسين قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني أحمد بن حمدون قال:

  لمّا افتتحت أرمينية وقتل إسحاق بن إسماعيل⁣(⁣١) دخل عليّ بن الجهم فأنشد المتوكَّل قصيدته التي يهنّيه فيها بالفتح ويمدحه، فقال فيها وأومأ بيده إلى الرسول الوارد بالفتح وبرأس إسحاق بن إسماعيل:

  أهلا وسهلا بك من رسول ... جئت بما يشفي من الغليل

  بجملة تغني عن التفصيل ... برأس إسحاق بن إسماعيل ... قهرا بلا ختل ولا تطويل

  / فاستحسن جميع من حضر ارتجاله هذا وابتداءه، وأمر له المتوكَّل بثلاثين ألف درهم، وتمّم القصيدة. وفيها يقول:

  جاوز نهر الكرّ⁣(⁣٢) بالخيول ... تردي بفتيان كأسد الغيل

  معوّدات طلب الذّحول⁣(⁣٣) ... خزر⁣(⁣٤) العيون طيبي⁣(⁣٥) النّصول

  شعث على شعث من الفحول ... جيش يلفّ الحزن بالسّهول

  كأنّه معتلج⁣(⁣٦) السّيول ... يسوسه كهل من الكهول

  لا ينثني للصّعب والذّلول ... على أغرّ واضح الحجول

  حتى إذا أصحر⁣(⁣٧) للمخذول ... ناجزه بصارم صقيل

  ضربا طلحفا⁣(⁣٨) ليس بالقليل ... ومنجنيق⁣(⁣٩) مثل حلق الفيل


(١) هو إسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية، ظفر به بغا وأحرق مدينة تفليس سنة ٢٣٨ هـ.

(٢) الكر (بضم أوّله): نهر بين أرمينية وأرّان يشق مدينة تفليس. وتردى الخيل رديا ورديانا: ترجم الحصا بحوافرها من شدة وطئها.

(٣) في أكثر الأصول: «الدخول» بالدال والخاء وهو تصحيف وفي ج: «الدحول» بالدال والحاء المهملتين. والذحول: جمع ذحل وهو الثأر.

(٤) خزر: جمع أخزر وخزراء. وخزر العين: ضيقها، وهو كناية عن الغضب.

(٥) في ج: «طيب» وفي أ، م هكذا: «حيتي». وفي ب، س: «صيتي».

(٦) اعتلجت الأمواج والسيول: التطمت.

(٧) أصحر: برز.

(٨) طلحفا: شديدا.

(٩) المنجنيق: آلة ترمى بها الحجارة. فارسي معرّب.