كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 410 - الجزء 10

  كنت أسقي أبا دلامة والسيّد، إذ خرجت بنت لأبي دلامة، فقال فيها أبو دلامة:

  فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولا ربّاك لقمان الحكيم

  أجزيا أبا هاشم. فقال السيد⁣(⁣١):

  ولكن قد تضمّك أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأب لئيم

  فضحك لذلك. ثم غدا أبو دلامة إلى المنصور فألفاه في الرّحبة يصلح فيها شيئا يريده، فأخبره بقصّة بنته وأنشده البيتين، ثم اندفع فأنشده بعدهما:

  لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عبّاس

  ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلَّكم ... إلى السماء فأنتم أظهر الناس

  وقدّموا القائم المنصور رأسكم ... فالعين والأنف والأذنان في الرأس

  / فاستحسنها، وقال له: بأيّ شيء تحبّ أن أعينك على قبح ابتنك هذه؟ فأخرج خريطة قد كان خاطها من الليل فقال: تملأ لي هذه دراهم، فملئت فوسعت أربعة آلاف درهم.

  وقد أخبرني بهذا الخبر عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:

  دخل أبو عطاء السّنديّ يوما إلى أبي دلامة فاحتبسه عنده، ودعا بطعام فأكلا وشبعا، وخرجت إلى أبي دلامة صبيّة له فحملها على كتفه، فبالت عليه فنبذها عن كتفه، ثم قال:

  بللت عليّ - لا حيّيت - ثوبي ... فبال عليك شيطان رجيم

  فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولا ربّك لقمان الحكيم

  ثم التفت إلى أبي عطاء فقال له: أجز. فقال:

  صدقت أبا دلامة لم تلدها ... مطهّرة ولا فحل كريم

  ولكن قد حوتها أمّ سوء ... إلى لبّاتها وأبّ لئيم

  فقال له أبو دلامة: عليك لعنة اللَّه! ما حملك على أن بلغت بي هذا كلَّه! واللَّه لا أنازعك بيت شعر أبدا.

  فقال أبو عطاء: لأن يكون الهرب من جهتك أحبّ إليّ.

  رثى السفاح عند المنصور فغضب وأراد إخراجه إلى الحرب فاسترضاه:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد اللَّه بن المعتزّ قال حدّثني أبو مالك عبد اللَّه بن محمد قال حدّثني أبي قال:

  لمّا توفّي أبو العبّاس السفّاح دخل أبو دلامة على المنصور والناس عنده يعزّونه؛ فأنشأ أبو دلامة يقول:

  أمسيت بالأنبار يا بن محمد ... لم تستطع عن عقرها تحويلا


(١) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «السندي». وقد رجحنا رواية ح لأن أبا هاشم كنية السيد الحميري. وسيأتي في الصفحة التالية هذا الخبر بين أبي دلامة وأبي عطاء السندي. فلعل ذلك هو الذي أوقع النساخ في هذا اللبس.