أخبار أبي دلامة ونسبه
  ويلي عليك أهلي كلَّهم ... ويلا وعولا في الحياة طويلا
  / فلتبكينّ لك النساء بعبرة ... وليبكينّ لك الرّجال عويلا
  مات النّدى إذ متّ يا بن محمد ... فجعلته لك في الثّراء(١) عديلا
  إنّي سألت الناس بعدك كلَّهم ... فوجدت أسمح من سألت بخيلا
  ألشقوتي أخّرت بعدك للتي ... تدع العزيز من الرجال ذليلا
  / فلأ حلفنّ يمين حقّ برّة ... باللَّه ما أعطيت بعدك سولا(٢)
  قال: فأبكى الناس قوله. فغضب المنصور غضبا شديدا وقال: لئن سمعتك تنشد هذه القصيدة لأقطعنّ لسانك. فقال أبو دلامة: يا أمير المؤمنين، إنّ أبا العباس أمير المؤمنين كان لي مكرما وهو الذي جاء بي من البدو كما جاء اللَّه بإخوة يوسف إليه، فقل كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ أللهُ لَكُمْ وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. فسرّي عن المنصور وقال: قد أقلناك يا أبا دلامة، فسل حاجتك. فقال: يا أمير المؤمنين، قد كان أبو العبّاس أمر لي بعشرة آلاف درهم وخمسين ثوبا وهو مريض ولم أقبضها. فقال المنصور: ومن يعرف هذا؟ فقال: هؤلاء، وأشار إلى جماعة ممنن حضر. فوثب سليمان بن مجالد وأبو الجهم فقالا: صدق أبو دلامة، نحن نعلم ذلك. فقال المنصور لأبي أيوب الخازن وهو مغيظ: يا سليمان ادفعها إليه وسيّره إلى هذا الطاغية (يعني عبد اللَّه بن عليّ(٣)، وقد كان خرج بناحية الشام، وأظهر الخلاف). فوثب أبو دلامة فقال: يا أمير المؤمنين، إني أعيذك باللَّه أن أخرج معهم، فو اللَّه إني لمشؤوم. فقال المنصور: امض فإن يمني يغلب شؤمك فأخرج.
  / فقال: واللَّه يا أمير المؤمنين ما أحبّ لك أن تجرّب ذلك منّي على مثل هذا العسكر؛ فإني لا أدري أيّهما يغلب: أيمنك أم شؤمي، إلَّا أني بنفسي أوثق وأعرف وأطول تجربة. قال: دعني من هذا فمالك من الخروج بد. فقال: إني أصدقك الآن، شهدت واللَّه تسعة عشر عسكرا كلَّها هزمت؛ وكنت سببها. فإن شئت الآن على بصيرة أن يكون عسكرك العشرين فافعل. فاستغرب(٤) أبو جعفر ضحكا، وأمره أن يتخلَّف مع عيسى(٥) بن موسى بالكوفة.
  أغضب المنصور لكثرة مدحه السفاح:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
  لمّا مات أبو العبّاس السفّاح وولي المنصور، دخل عليه أبو دلامة، فقال له أبو جعفر: ألست القائل لأبي العبّاس:
(١) الثراء: لغة في الثري. وسيرد في الصفحة التالية رواية أخرى: «بالتراب».
(٢) السول (يهمز ولا يهمز): ما سألته.
(٣) هو عبد اللَّه بن علي بن عبد اللَّه بن عباس عم الخليفة المنصور، خرج عليه سنة ست وثلاثين ومائة ودعا لنفسه؛ فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني ووقعت له معه وقعة هائلة دارت فيها الدائرة أخيرا على عبد اللَّه.
(٤) أي أكثر من الضحك وبالغ فيه.
(٥) هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي العباسي أمير الكوفة. وكان وليّ عهد المنصور بعهد من السفاح ثم قدّم المنصور عليه في ولاية العهد ابنه المهدي، ثم خلعه المهدي من ولاية العهد.