كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 412 - الجزء 10

  وكنّا بالخليفة قد عقدنا ... لواء الأمر فانتقض اللواء

  فنحن رعيّة هلكت ضياعا ... تسوق بنا إلى الفتن الرّعاء

  قال: ما قلت هذا يا أمير المؤمنين. قال: كذبت واللَّه! أفلست القائل:

  هلك النّدى إذ بنت يا بن محمد ... فجعلته لك في التراب عديلا

  ولقد سألت الناس بعدك كلَّهم ... فوجدت أكرم من سألت بخيلا

  ولقد حلفت على يمين برّة ... باللَّه ما أعطيت بعدك سولا

  فقال أبو دلامة: إنّ أخاك صلَّى اللَّه عليه غلبني على صبري، وسلبني عزيمتي، وعزّني بإحسانه إليّ وجزعي عليه، فقلت ما لم أتأمّله، وإني أرغب في الثمن فاستفره السّلعة حيّا وميّتا. فإن أعطيت ما أعطى، أخذت ما أخذ. فأمر به فحبس ثلاثا ثم خلَّى سبيله ودعاه إليه فوصله، ثم عاد له إلى ما كان عليه.

  أمره روح بن حاتم بمبارزة خارجي فخدعه:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني أبو دلامة قال:

  أتي بي المنصور أو المهديّ وأنا سكران، فحلف ليخرجنّي / في بعث حرب، فأخرجني مع روح بن حاتم⁣(⁣١) المهلَّبيّ لقتال الشّراة⁣(⁣٢). فلما التقى الجمعان قلت لروح: أما واللَّه لو أنّ تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثّرت في عدوّك اليوم أثرا ترتضيه. فضحك وقال: واللَّه العظيم لأدفعنّ ذلك إليك، ولآخذنّك بالوفاء بشرطك. ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إليّ، ودعا بغيرهما فاستبدل به. فلمّا حصل ذلك في يدي وزالت عنّي حلاوة الطمع، قلت له: أيها الأمير، هذا مقام العائذ بك، وقد قلت بيتين فاسمعهما. قال: هات، فأنشدته:

  إني استجرتك أن أقدّم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب

  فهب السّيوف رأيتها مشهورة ... فتركتها ومضيت في الهرّاب

  ماذا تقول لما يجيء وما يرى ... من واردات الموت في النّشّاب

  فقال: دع عنك هذا وستعلم. وبرز رجل من الخوارج يدعو للمبارزة، فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة.

  فقلت: أنشدك اللَّه أيّها الأمير في دمي. قال: واللَّه لتخرجنّ. فقلت: أيها الأمير فإنه أوّل يوم من الآخرة. وآخر يوم من الدنيا، وأنا واللَّه جائع ما شبعت منّي جارحة من الجوع، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج. فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصفّ. فلما رآني الشاري أقبل نحوي عليه فرو وقد أصابه المطر فابتلّ، وأصابته الشمس فاقفعلّ⁣(⁣٣) وعيناه تقدان، فأسرع إليّ. / فقلت له: على رسلك يا هذا كما أنت، فوقف.

  فقلت: أتقتل من لا يقاتلك؟ قال لا. قلت: أتقتل رجلا على دينك؟ قال لا. قلت: أفتستحلّ ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟ قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة اللَّه. قلت: لا أفعل أو تسمع منّي. قال: قل. قلت: هل كانت بيننا قطَّ عداوة أو ترة، أو تعرفني بحال تحفظك عليّ، أو تعلم بين أهلي وأهلك وترا؟ قال: لا واللَّه.


(١) هو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، ولي إفريقية والبصرة وغيرهما، وكان جليلا شجاعا جوادا.

(٢) الشراة: الخوارج.

(٣) كذا في ح. واقفعل: تقبض. وفي سائر النسخ: «فانفعل». هو تحريف.