كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي دلامة ونسبه

صفحة 413 - الجزء 10

  قلت: ولا أنا واللَّه لك إلا جميل الرأي، وإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين دينك وأريد السّوء لمن أراده لك.

  قال: يا هذا جزاك اللَّه خيرا فانصرف. قلت: إنّ معي زادا أحبّ أن آكله معك، وأحبّ مواكلتك لتتوكَّد المودّة بيننا، ويرى أهل العسكر هوانهم علينا. قال: فافعل. فتقدّمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابّنا وجمعنا أرجلنا على معارفها والناس قد غلبوا ضحكا. فلما استوفينا ودّعني. ثم قلت له: إنّ هذا الجاهل إن أقمت على طلب المبارزة ندبني إليك فتتعبني وتتعب. فإن رأيت ألَّا تبرز اليوم فافعل. قال: قد فعلت، ثم انصرف وانصرفت.

  فقلت لروح: أمّا أنا فقد كفيتك قرني فقل لغيري أن يكفيك قرنه كما كفيتك، فأمسك. وخرج آخر يدعو إلى البراز، فقال لي: اخرج إليه. فقلت⁣(⁣١):

  إني أعوذ بروح أن يقدّمني ... إلى البراز فتخزى بي بنو أسد

  إنّ البراز إلى الأقران أعلمه ... مما يفرّق بين الروح والجسد

  قد حالفتك المنايا إذ صمدت⁣(⁣٢) لها ... وأصبحت لجميع الخلق بالرّصد

  / إنّ المهلَّب حبّ الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد

  لو أنّ لي مهجة أخرى لجدت بها ... لكنّها خلقت فردا فلم أجد

  فضحك وأعفاني.

  أأمره مروان بن محمد بمبارزة خارجي ففر منه:

  أخبرني إبراهيم بن أيّوب عن ابن قتيبة قال قال أبو دلامة:

  كنت / في عسكر مروان⁣(⁣٣) أيام زحف إلى سنان الخارجيّ. فلمّا التقى الزّحفان خرج منهم رجل فنادى:

  من يبارز! فلم يخرج إليه أحد إلَّا أعجله ولم ينهنهه⁣(⁣٤). فغاظ ذلك مروان وجعل يندب الناس على⁣(⁣٥) خمسمائة، فقتل أصحاب الخمسمائة، فزاد مروان وندبهم على ألف، ولم يزل يزيدهم حتى بلغ خمسة آلاف درهم. وكان تحتي فرس لا أخاف خونه؛ فلمّا سمعت بالخمسة⁣(⁣٦) آلاف ترقّبته⁣(⁣٧) واقتحمت الصّفّ. واقتحمت الصّفّ. فلمّا نظرني الخارجيّ علم أنّي خرجت للطمع؛ فأقبل إليّ متهيّئا وإذا عليه فرو قد أصابه المطر فابتلّ، ثم أصابته الشمس فأقفعلّ، وإذا عيناه تقدان كأنّهما من غورهما في وقبين⁣(⁣٨). فلمّا دنا منّي أنشأ يقول:


(١) وردت هذه الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان هكذا:

إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فيخزي بي بنو أسد

إن المهلب حب الموت أورثكم ... ولم أرث أنا حب الموت من أحد

إن الدنوّ إلى الأعداء أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد

(٢) في الأصول: «إن صدمت» وهو تحريف.

(٣) يعني مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.

(٤) نهنهه: كفه وزجره. وسياق الكلام يقتضي أن يكون «ولم يمهله».

(٥) في الأصول: «عن».

(٦) هذه لغة ضعيفة وأفصخ اللغات: «بخمسة الآلاف».

(٧) ترقبته: رصدته.

(٨) الوقب هنا: نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء.