كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن المعتز

صفحة 434 - الجزء 10

  وممن صنع من أولاد الخلفاء فأجاد وأحسن وبرع وتقدّم جميع أهل عصره فضلا وشرفا وأدبا وشعرا وظرفا وتصرّفا في سائر الآداب أبو العبّاس عبد اللَّه بن المعتزّ باللَّه.

  أدبه وشعره ودفاع أبي الفرج عن مذهبه في الأدب:

  وأمره، مع قرب عهده بعصرنا هذا، مشهور في فضائله وآدابه شهرة تشرك في أكثر فضائله الخاصّ والعامّ.

  وشعره وإن كان فيه رقّة الملوكيّة وغزل الظَّرفاء وهلهلة المحدثين، فإن فيه أشياء كثيرة تجري في أسلوب المجيدين ولا تقصر عن مدى السابقين، وأشياء ظريفة من أشعار الملوك في جنس ما هم بسبيله، ليس عليه أن يتشبّه فيها بفحول الجاهليّة. فليس يمكن واصفا لصبوح، في مجلس شكل ظريف، بين ندامى وقيان، وعلى ميادين من النّور والبنفسج والنّرجس ومنضود من أمثال ذلك، إلى غير ما ذكرته من جنس المجالس وفاخر الفرش ومختار الآلات، ورقّة الخدم، أن يعدل بذلك عما يشبهه من الكلام السّبط⁣(⁣١) الرقيق الذي يفهمه كلّ من حضر، إلى جعد الكلام ووحشيّه، وإلى وصف البيد والمهامه والظَّبي والظَّليم⁣(⁣٢) والناقة والجمل والديار والقفار والمنازل الخالية المهجورة؛ ولا إذا عدل عن ذلك وأحسن قيل له مسيء، ولا أن يغمط حقّه كلَّه إذا أحسن الكثير وتوسّط في البعض وقصّر في اليسير، وينسب إلى التقصير في الجميع، لنشر المقابح وطيّ المحاسن. فلو شاء أن يفعل هذا كلّ أحد بمن تقدّم لوجد مساغا. ولو أنّ قائلا أراد الطعن على صدور الشعراء، لقد رأى أن يطعن على الأعشى - / وهو أحد من يقدّمه الأوائل على سائر الشعراء - بقوله: «فأصاب حبّة قلبه وطحالها⁣(⁣٣)».

  وبقوله:

  /

  ويأمر لليحموم⁣(⁣٤) كلّ عشيّة ... بقتّ وتعليق فقد كاد يسنق


(١) السبط: السهل المرسل. والجعد: المعقد.

(٢) الظليم: ذكر النعام.

(٣) العيب في هذا ورود كلمة الطحال فيه وهي مما يأباها الذوق. وقد ورد كلام فيه في هذا الجزء (ص ٨١ - ٨٢) فراجعه.

(٤) كذا في «لسان العرب» وكتاب «نسب الخيل» لابن الكلبي وكتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة. واليحموم: اسم فرسه. وألقت:

حب بري. والتعليق: ما تعلفه الدابة من شعير ونحوه. ويسنق: يأكل حتى يصيبه كالبشم. وقد ورد هذا البيت في ب، س هكذا:

وقد كان يأمر همو كل ليلة ... بقت وتعليق فقد كاد يسبق

وفي الأصول المخطوطة:

وقد كان يأمر همو في كل ليلة ... يقت وتعليق فقد كاد يسبق

وهما تحريف وعيب هذا البيت أنه مدح به ملك الحيرة وهو لا يمدح به رجل من خساس الجنود؛ لأنه ليس من أحد له فرس إلا وهو يعلفه قتا ويقضمه شعيرا. وهذا مديح كالهجاء. وقال أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة: «ولست أرى هذا عيبا؛ لأن الملوك تعد فرسا على أقرب الأبواب من مجالسها بسرجه ولجامه خوفا من عدوّ يفجؤها أو أمر ينزل أو حاجة تعرض لقلب الملك فيريد البدار، فلا يحتاج إلى أن يتلوّم على إسراج فرسه وإلجامه. وإذا كان واقفا غدى وعشى. فوضع الأعشى هذا المعنى ودل به على ملكه وعلى حزمه». (راجع كتاب «الشعر والشعراء» صفحة ١٤١ - ١٤٢ طبع أوروبا).