كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن المعتز

صفحة 438 - الجزء 10

  فقالت له: يا سيّدي تلعب معي جنّابي؟ فالتفت إلينا وقال على بديهته غير متوقّف ولا مفكَّر:

  /

  فديت من مرّ يمشي في معصفرة ... عشيّة فسقاني ثم حيّاني

  وقال تلعب جنّابي فقلت له ... من جاد⁣(⁣٢) بالوصل لم يلعب بهجران

  وأمر فغنّي فيه. غنّت فيما أرى فيه هزار لحنا، وهو رمل مطلق.

  جدر خادمه نشوان فجزع عليه ثم عوفي فسرّ وقال شعرا:

  حدّثني جعفر قال:

  كان لعبد اللَّه بن المعتزّ غلام يحبّه، وكان يغنّي غناء صالحا، يقال له «نشوان». فجدر وجزع عبد اللَّه لذلك جزعا شديدا، ثم عوفي ولم يؤثّر الجدريّ في وجهه أثرا قبيحا. فدخلت إليه ذات يوم فقال لي: يا أبا القاسم، قد عوفي فلان بعدك، وخرج أحسن مما كان، وقلت فيه بيتين وغنّت زرياب فيهما رملا ظريفا، فاسمعهما إنشادا إلى أن تسمعهما غناء. فقلت: يتفضّل الأمير، أيّده اللَّه تعالى، بإنشادي إيّاهما. فأنشدني:

  لي قمر جدّر لمّا استوى ... فزاده حسنا فزادت هموم

  أظنّه غنّى لشمس الضّحى ... فنقّطته طربا بالنجوم

  فقلت: أحسنت واللَّه أيّها الأمير. فقال لي: لو سمعته من زرياب كنت أشدّ استحسانا له. وخرجت زرياب فغنّته لنا في طريقة الرّمل في أحسن غناء، فشربنا عليه عامّة يومنا.

  غضب عليه غلامه نشوان فقال شعرا يترضاه به:

  حدّثني جعفر قال:

  غضب هذا الغلام على عبد اللَّه بن المعتزّ؛ فجهد في أن يترضّاه، فلم تكن له فيه حيلة. فدخلت إليه فأنشدني فيه:

  بأبي أنت قدتما ... ديت في الهجر والغضب

  / واصطباري على صدو ... دك يوما من العجب

  ليس لي إن فقدت وج ... هك في العيش من أرب

  رحم اللَّه من أعا ... ن على الصلح واحتسب

  قال: فمضيت إلى الغلام؛ ولم أزل أداريه وارفق به حتى ترضّيته وجئته به، فمرّ لنا يومئذ أطيب يوم


(وكشقارى) كما نبه عليه المصحح على حاشية هذه المادة في نسخة «القاموس» المطبوعة ببلاق سنة ١٣٠٣.

بقي قول شارح «القاموس» إن (الجنابي) وردت بتشديد النون وبالمد أيضا في «لسان العرب». ولعلها وردت كذلك؟ طة بالقلم في النسخة التي كانت عنده؛ فإن النسخة التي بأيدينا ليس فيها إلا ما ذكرناه.

وبعد، فتشديد هذه الفظة في البيت إما أن يكون عن لغة فيها محكية اطلع عليها ابن المعتز أو عن خطأ شاع بين المولدين فجرت به ألسنة الشعراء. واللَّه أعلم اه.

(١) في «معاهد التنصيص» طبع بلاق سنة ١٢٧٤ ص ١٩٤: «جنابي من باكورة باقلاء».

(٢) في «معاهد التنصيص»: «من جدّ» وهي رواية جيدة.