كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن المعتز

صفحة 439 - الجزء 10

  وأحسنه، وغنّتنا هزار في هذا الشعر رملا عجيبا.

  زار في حداثته أبا عيسى بن المتوكل وأنشده من شعره في كره البنات فمدحه:

  أخبرني الحسين بن القاسم الكاتب قال حدّثني إبراهيم بن خليل الهاشميّ قال:

  دخلت يوما إلى أبي عيسى بن المتوكَّل، فوجدت عبد اللَّه بن المعتزّ وقد جاءه مسلَّما، وسنّه يومئذ دون عشرين سنة، إذ دخل عليّ⁣(⁣١) بن محمد بن أبي الشّوارب القاضي، فأكرمه أبو عيسى ونهض إليه. فلما استقرّ به المجلس قال لأبي عيسى: قد احتجت إلى معونتك في أمر دفعت إليه لم أستغن فيه عن تكليفك المعاونة. قال:

  وما هو؟ قال: زوّجت بنتا من بناتنا رجلا من أهلنا، فخرج عن مذاهبنا، وأساء عشرة أهله، وجعل منزل عيسى بن هارون أكثر مظانّه وأوطانه، ويهدّدنا ويوعدنا بشرّه، حتى لقد نالنا من عيسى بسط ليده ولسانه فينا بالقبيح والقول السئ، وكثرة معاونته له على ما يزري بدينه ونسبه. وقد توعّدنا بأنه يكشف وجهه لنا في معاونة صهرنا هذا الغاوي علينا. ولولا نسبه الذي فخره لنا وعاره علينا، لانتصفنا منه بالحق دون التعدّي، إلَّا أنّي أستعيذك منه. / فقال له أبو عيسى: أنا أوجّه إليه بعد انصرافك، وأراسله بما أنا المتكفّل بعده بألَّا يعود إلى عشرته، / والضامن أن أردّ⁣(⁣٢) هذا الصّهر إلى حيث تحبّ ويقع بموافقتك. فشكره ودعا له وانصرف. فقال أبو عيسى: ألا ترون إلى هذا الرجل النّبيه الفاضل السّريّ الشريف يدفع إلى مثل هذا! طوبى لمن لم تكن له بنت.

  فقال عبد اللَّه بن المعتزّ: أيّها الأمير إنّ لولدك في هذا المعنى شيئا قاله واستحسنه جماعة ممن يعلم ويقول الشعر.

  فقال: هاته فداك عمّك. فأنشده لنفسه:

  وبكر قلت موتي قبل بعل ... وإن أثرى وعدّ من الصّميم

  أأمزج باللَّئام دمي ولحمي ... فما عذري إلى النّسب الكريم

  فقال له أبو عيسى: أمتع اللَّه أهلك ببقائك، وأحسن إليهم في زيادة إحسانه إليك، وجمّلهم بكمال محاسنك، ولا أرانا شرّا فيك.

  كان يعمر داره ويبيضها وقال شعرا في ذلك:

  أخبرني الحسين بن القاسم قال حدّثني عبد اللَّه بن موسى الكاتب قال:

  دخلت على عبد اللَّه بن المعتزّ وفي داره طبقات من الصّنّاع، وهو يبني داره ويبيّضها. فقلت: ما هذه الغرامة الحادثة؟ فقال: ذلك السّيل الذي جاء مذ ليال أحدث في داري ما أحوج إلى الغرامة والكلفة، وقال:

  ألا من لنفس وأحزانها ... ودار تداعى بحيطانها

  أظلّ نهاري في شمسها ... شقيّا معنّى ببنيانها

  أسوّد وجهي بتبييضها ... وأهدم كيسي بعمرانها


(١) هو علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري قاضي القضاة أبو الحسن. كان ولي القضاء بسر من رأى، وكان عالما عفيفا ثقة. توفي سنة ٢٨٣ هـ (عن «النجوم الزاهرة» ج ٣ ص ٩٧ طبع دار الكتب المصرية).

(٢) في ب، س: «وأنا الضامن إن أراد هذا الصهر إلا حيث» وهو تحريف.