أخبار النابغة ونسبه
  عبد الملك بن قريب(١) قال:
  كان يضرب للنابغة قبّة من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال: وأوّل من أنشده الأعشى ثم حسّان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشّريد:
  وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار
  فقال: واللَّه لولا أنّ أبا بصير أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس. فقام حسّان فقال: واللَّه لأنا أشعر منك ومن أبيك!. فقال له النابغة: يا بن أخي، أنت لا تحسن أن تقول:
  فإنّك كاللَّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأي عنك واسع
  خطاطيف(٢) حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
  قال: فخنس(٣) حسّان لقوله.
  تذاكر قوم الشعر وهم في الصحراء فإذا هم بجني يقول إنه أشعر الناس:
  أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال قال فلان لرجل سمّاه فأنسيته:
  بينا نحن نسير بين أنقاء(٤) من الأرض تذاكرنا الشعر، فإذا راكب أطيلس(٥) يقول أشعر الناس زياد بن معاوية؛ ثم تملَّس(٦) فلم نره.
  فضله أبو عمرو على زهير:
  أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدثنا الأصمعيّ قال سمعت أبا عمرو يقول: ما كان ينبغي للنابغة إلَّا أن يكون زهير أجيرا له.
  سأل عبد الملك عن شعر له في اعتذاره للنعمان وقال إنه أشعر العرب:
(١) عبد الملك بن قريب: هو اسم الأصمعي الراوية المشهور.
(٢) الخطاطيف: جمع خطاف (بالضم). وخطاف البئر: حديدة حجناء تستخرج بها الدلاء وغيرها. وحجن: معوجة، واحدها أحجن والأنثى حجناء ونوازع: جواذب. يقول: لك خطاطيف هذه صفتها أجرّ بها إليك. وهذا تمثيل. يريد أنه في قبضة يده وأنه لا مفرّ له منه.
(٣) خنس: انقبض، أو رجع وتنحى.
(٤) الأنقاء: جمع نقا وهو القطعة من الرمل تنقاد محدودبة. ويقال في تثنيته نقوان ونقيان.
(٥) أطيلس: تصغير أطلس، وهو ما في لونه غيرة إلى السواد.
(٦) تملس: تملص وأفلت.