كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار النابغة ونسبه

صفحة 7 - الجزء 11

  عبد الملك بن قريب⁣(⁣١) قال:

  كان يضرب للنابغة قبّة من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال: وأوّل من أنشده الأعشى ثم حسّان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشّريد:

  وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار

  فقال: واللَّه لولا أنّ أبا بصير أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس. فقام حسّان فقال: واللَّه لأنا أشعر منك ومن أبيك!. فقال له النابغة: يا بن أخي، أنت لا تحسن أن تقول:

  فإنّك كاللَّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأي عنك واسع

  خطاطيف⁣(⁣٢) حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع

  قال: فخنس⁣(⁣٣) حسّان لقوله.

  تذاكر قوم الشعر وهم في الصحراء فإذا هم بجني يقول إنه أشعر الناس:

  أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال قال فلان لرجل سمّاه فأنسيته:

  بينا نحن نسير بين أنقاء⁣(⁣٤) من الأرض تذاكرنا الشعر، فإذا راكب أطيلس⁣(⁣٥) يقول أشعر الناس زياد بن معاوية؛ ثم تملَّس⁣(⁣٦) فلم نره.

  فضله أبو عمرو على زهير:

  أخبرني أحمد قال حدّثنا عمر قال حدثنا الأصمعيّ قال سمعت أبا عمرو يقول: ما كان ينبغي للنابغة إلَّا أن يكون زهير أجيرا له.

  سأل عبد الملك عن شعر له في اعتذاره للنعمان وقال إنه أشعر العرب:


(١) عبد الملك بن قريب: هو اسم الأصمعي الراوية المشهور.

(٢) الخطاطيف: جمع خطاف (بالضم). وخطاف البئر: حديدة حجناء تستخرج بها الدلاء وغيرها. وحجن: معوجة، واحدها أحجن والأنثى حجناء ونوازع: جواذب. يقول: لك خطاطيف هذه صفتها أجرّ بها إليك. وهذا تمثيل. يريد أنه في قبضة يده وأنه لا مفرّ له منه.

(٣) خنس: انقبض، أو رجع وتنحى.

(٤) الأنقاء: جمع نقا وهو القطعة من الرمل تنقاد محدودبة. ويقال في تثنيته نقوان ونقيان.

(٥) أطيلس: تصغير أطلس، وهو ما في لونه غيرة إلى السواد.

(٦) تملس: تملص وأفلت.