أخبار النابغة ونسبه
  غنّى مخارق بين يدي الرشيد:
  سرت عليه من الجوزاء سارية
  فلمّا بلغ إلى قوله:
  فارتاع من صوت كلَّاب فبات له
  قال: فارتاع (بضم العين)، فأردت أن أردّ عليه خطأه، ثم خفت أن يغضب الرشيد ويظنّ أنّي حسدته على منزلته منه وأردت إسقاطه. فالتفت إليه بعض من حضر - أظنّه قال محمد بن عمر الروميّ - فقال له: ويلك يا مخارق! أتغنّي بمثل هذا الخطأ القبيح لسوقة فضلا عن الملوك! ويلك! / لو قلت: «فارتاع» كان أخفّ على اللسان وأسهل من قولك «فارتاع». فخجل مخارق، وكفيت ما أردته بغيري. قال: وكان مخارق لحّانا.
  ومنها:
  صوت
  قالت ألا ليتما هذا الحمام(١) لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
  يحفّه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد
  / فحسبوه فألفوه كما حسبت(٢) ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
  فكمّلت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
  غنّاه ابن سريج خفيف ثقيل عن الهشاميّ. هذا خبر روي عن زرقاء اليمامة(٣)، ويروى عن بنت الخسّ(٤).
  أخذ معنى لزرقاء اليمامة
  : حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الأحول يقول: هذا أخذه النابغة من زرقاء اليمامة، قالت:
  ليت الحمام ليه ... ونصفه قديه(٥)
  إلى حماميته ... تمّ الحمام ميه
  فسلخه النابغة. وقال الأصمعيّ: سمعت أناسا من أهل البادية يتحدّثون أنّ بنت الخسّ كانت قاعدة في جوار، فمرّ بها قطا وارد في مضيق من الجبل، فقالت:
  يا ليت ذا القطاليه ... ومثل نصف معيه
  إلى قطاة أهليه ... إذا لنا قطا ميه
(١) يروي بنصب الحمام على أن «ليت» عاملة، ويروي بالرفع على أنها مكفوفة عن العمل بما.
(٢) ويروي: «كما زعمت».
(٣) زرقاء اليمامة: امرأة من بقايا طسم وجديس كانت حديدة النظر وكانوا يزعمون أنها تبصر مسيرة ثلاثة أيام.
(٤) بنت الخس: امرأة من إياد كانت مشهورة بالفصاحة، اسمها هند، وقيل: جمعة.
(٥) قديه: حسبي، والهاء الساكنة للسكت.