أخبار الحارث بن حلزة ونسبه
  كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجاله معلقته في موقف واحد، وشرح أبيات منها:
  وقال يعقوب بن السّكَّيت: كان أبو عمرو الشيبانيّ يعجب لارتجال الحارث هذه القصيدة في موقف واحد ويقول: لو قالها في حول لم يلم. قال: وقد جمع فيها ذكر عدّة من أيّام العرب عيّر ببعضها بني تغلب تصريحا، وعرّض ببعضها لعمرو بن هند، فمن ذلك قوله:
  أعلينا جناح كندة أن يغ ... نم غازيهم ومنّا الجزاء
  قال: وكانت كندة قد كسرت الخراج على الملك، فبعث إليهم رجالا من بني تغلب يطالبونهم بذلك، فقتلوا ولم يدرك بثأرهم، فعيّرهم بذلك. هكذا ذكر الأصمعيّ. وذكر غيره أنّ كندة غزتهم فقتلت وسبت واستاقت، فلم يكن في ذلك منهم(١) شيء ولا أدركوا ثأرا. قال: وهكذا البيت الذي يليه وهو:
  أم علينا جرّى(٢) قضاعة أم لي ... س علينا فيما جنوا أنداء(٣)
  / فإنه عيّره بأن قضاعة كانت غزت بني تغلب ففعلت بهم فعل كندة، ولم يكن منهم في ذلك شيء ولا أدركوا منهم ثأرا. قال: وقوله:
  أم علينا جرّى حنيفة أم ما ... جمّعت من محارب غبراء(٤)
  قال: وكانت حنيفة محالفة لتغلب على بكر، فأذكر الحارث عمرو بن هند بهذا البيت قتل شمر بن عمرو الحنفّي أحد بني سحيم المنذر بن ماء السماء غيلة لمّا حارب الحارث بن جبلة الغسّانيّ، وبعث الحارث إلى المنذر بمائة غلام تحت لواء شمر هذا يسأله الأمان على أن يخرج له عن ملكه ويكون من قبله، فركن المنذر إلى ذلك وأقام الغلمان معه، فاغتاله شمر بن عمرو الحنفيّ فقتله غيلة، وتفرّق من كان مع المنذر، وانتهبوا عسكره. فحرّضه بذلك على حلفاء بني تغلب بني حنيفة. قال وقوله:
  وثمانون من تميم بأيدي ... هم رماح صدورهنّ القضاء(٥)
  / يعني عمرا أحد بني سعد [بن زيد] مناة، خرج في ثمانين رجلا من تميم فأغار على قوم من بني قطن من تغلب يقال لهم بنو رزاح كانوا يسكنون أرضا تعرف بنطاع قريبة من البحرين، فقتل فيهم وأخذ أموالا كثيرة، فلم يدرك منه بثأر. قال: وقوله:
  ثمّ خيل(٦) من بعد ذاك مع الغلَّاق ولا رأفة ولا إبقاء
= غرة وإنما أتوكم نهارا ظاهرين وأنتم ترونهم، يرفع الآل أشخاصهم ويكشفها الضحاء. ويروي. «يرفع الآل شخصهم»، ويروي: «جمعهم».
(١) في «الأصول هنا»: «تغيير» بدل «شيء»، وقد تكررت هذه العبارة بعد ثلاثة أسطر، فأثبتناها هنا كما وردت هناك.
(٢) الجرى (ويمد): الجناية.
(٣) وردت هذه الكلمة محرفة في «الأصول» بين «أتواء» و «أنواء» و «أفراء» والتصويب من «المعلقات». والأنداء: جمع ندى، وهو هنا ما يلحق الإنسان من الشر، يقال: ما لحقني من فلان ندى أي شر، وما نديني من فلان شيء أكرهه أي ما بلني ولا أصابني.
(٤) غبراء أي جماعة غبراء، يريد الفقراء والصعاليك، وقيل لهم غبراء لما عليهم من أثر الفقر والضر. يريد: أم ما جمعت صعاليك محارب. والغبراء أيضا: الأرض، ويقال للفقراء بنو غبراء، لأنهم لا مأوى لهم إلَّا الصحراء وما أشبهها.
(٥) القضاء هنا: الموت.
(٦) يريد: ثم غزتهم من بعد بني تميم خيل مع الغلاق فقتلت فيهم ولم يدرك منها بثأر. ومعنى قوله: لا رأفة ولا إبقاء أي ليس لأصحاب الغلاق رأفة بهم ولا إبقاء عليهم.