أخبار الحارث بن حلزة ونسبه
  قال: الغلَّاق صاحب هجائن النّعمان بن المنذر، وكان من بني حنظلة بن زيد مناة تميميا.
  / وكان عمرو بن هند دعا بني تغلب بعد قتل المنذر إلى الطلب بثأره من غسّان، فامتنعوا وقالوا: لا نطيع أحدا من بني المنذر أبدا! أيظنّ ابن هند أنّاله رعاء!. فغضب عمرو بن هند وجمع جموعا كثيرة من العرب، فلما اجتمعت آلى ألَّا يغزو قبل تغلب أحدا، فغزاهم فقتل منهم قوما، ثم استعطفه من معه لهم واستوهبوه جريرتهم، فأمسك عن بقيّتهم، وطلَّت(١) دماء القتلى. فذلك قول الحارث:
  من أصابوا من تغلبيّ فمطلو ... ل عليه(٢) إذا تولَّى العفاء
  ثم اعتدّ على عمرو بحسن بلاء بكر عنده فقال:
  من لنا عنده من الخير آيا ... ت ثلاث في كلَّهن القضاء(٣)
  آية شارق(٤) الشّقيقة إذ جا ... ؤا جميعا لكل حيّ لواء
  حول قيس مستلئمين(٥) بكبش ... قرظيّ كأنه عبلاء
  فرددناهم(٦) بضرب كما يخ ... رج من خربة المزاد الماء
  ثم حجرا(٧) أعني ابن أمّ قطام ... وله فارسيّة(٨) خضراء
  / أسد في اللَّقاء ذو(٩) أشبال ... وربيع إن شنّعت(١٠) غبراء
  فرددناهم بطعن كما تن ... هز(١١) في جمّة الطَّويّ الدّلاء
  وفككنا غلّ امرئ القيس عنه ... بعد ما طال حبسه والعناء
  وأقدناه(١٢) ربّ غسّان بالمن ... ذر كرها وما تكال(١٣) الدّماء
(١) طل دمه: أهدر ولم يثأر به، يقال: طل دمه وأطل مبنيين للمفعول. وجوز أبو عبيدة والكسائي أن يقال: طل دمه مبينا للفاعل.
(٢) في «الأصول»: «عليهم» والتصويب من المعلقات. ويروي: «إذا أصيب» بدل «إذا تولى».
وعليه العفاء: دعاء. والعفاء هنا: الدروس والهلاك، أي ينسى فيصير كالشئ الدارس.
(٣) الآيات: العلامات. وقوله «في كلهن القضاء» أي في كلهن يقضي لنا بولاء الملك.
(٤) شارق: جاء من قبل المشرق.
(٥) المستلئم: لابس اللَّامة وهي الدرع. والمراد بالكبش هنا الرئيس. وقرظيّ: نسبة إلى البلاد التي ينبت بها القرظ وهي اليمن.
والعبلاء: الصخرة البيضاء.
(٦) ويروي: «فجبهناهم» أي تلقينا جباههم بضرب ... إلخ. والخربة ها هنا: عزلاء المزادة (القربة) وهي مسيل الماء منها. فشبه خروج الدم ونزوه من الجروح التي يصيبونهم بها بخروج الماء من أفواه القرب وثقوبها.
(٧) نصب حجر بالنسق على الضمير المتصوب في «فرودناهم» أي ثم رددنا حجرا.
(٨) فارسية: يريد كتيبة سلاحها من عمل فارس. ووصفها بالخضرة لكثرة ما تحمل من سلاح.
(٩) ويروي: «ورد هموس» والورد: الذي يضرب لونه إلى الحمرة. والهموس: المختال الذي يخفي وطأه حتى يأخذ فريسته.
(١٠) شنعت: جاءت بأمر شنيع. والغبراء هنا: السنة التي لا مطر بها.
(١١) نهز الدلاء: تحريكها لتمتلئ، يقال: نهزت بالدلو في البئر إذا ضربت بها في الماء لتمتلئ، ونهزتها إذا نزعت بها. والجمة (بالفتح): المكان الذي يجتمع فيه الماء، والجمة (بالضم): الماء الكثير أو معظم الماء. والطويّ: البئر المطوية، أي المبنية بالحجارة.
(١٢) أقدت القاتل بالقتيل: قتلته به. ورب غسان: ملكها.
(١٣) في «الأصول»: «وما تطل الدماء»، والتصويب من «المعلقات». ومعنى «وما تكال الدماء» أي لا تحصى لكثرتها، أو لا يقام لها كيل ولا وزن فتذهب هدرا. ويروى: «إذ ما تكال».