كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عمرو بن كلثوم وخبره

صفحة 39 - الجزء 11

  الغسّاني، فتلقّاه عمرو بن كلثوم. فقال له: يا عمرو، ما منع / قومك أن يتلقّوني؟! فقال له: يا عمرو يا خير الفتيان، فإن قومي لم يستيقظوا لحرب قطَّ إلا علا فيها أمرهم واشتدّ شأنهم ومنعوا ما وراء ظهورهم. فقال له:

  أيقاظ⁣(⁣١) نومة ليس فيها حلم، أجتثّ فيها أصولهم، وأنفى فلَّهم⁣(⁣٢) إلى اليابس الجرد، والنازح الثّمد. فانصرف عمرو بن كلثوم وهو يقول:

  ألا فاعلم أبيت اللَّعن أنّا ... على عمد سنأتي ما نريد

  تعلَّم أنّ محملنا ثقيل ... وأنّ زناد كبتنا⁣(⁣٣) شديد

  وأنّا ليس حيّ من معدّ ... يوازينا إذا لبس الحديد

  هجاؤه للنعمان بن المنذر:

  قال: وقال ابن الأعرابيّ: بلغ عمرو بن كلثوم أنّ النعمان بن المنذر يتوعّده، فدعا كاتبا من العرب فكتب إليه:

  ألا أبلغ النّعمان عنّي رسالة ... فمدحك حوليّ وذمّك قارح⁣(⁣٤)

  متى تلقني في تغلب ابنة وائل ... وأشياعها ترقى إليك المسالح⁣(⁣٥)

  وهجا النّعمان بن المنذر هجاء كثيرا، منه قوله يعيّره بأمّه سليمى:

  حلَّت سليمى بخبت⁣(⁣٦) بعد فرتاج ... وقد تكون قديما في بني ناج

  / إذ لا ترجّي سليمى أن يكون لها ... من بالخورنق من قين ونسّاج

  ولا يكون على أبوابها حرس ... كما تلفّف قبطيّ بديباج

  تمشي بعدلين من لؤم ومنقصة ... مشي المقيّد في الينبوت⁣(⁣٧) والحاج


= منع قومك أن يتلقوني؟! فقال لم يعلموا بمرورك. فقال: لئن رجعت لأغزونهم غزوة تتركهم أيقاظا لقدومي. فقال عمرو: ما استيقظ قوم قط إلا نبل رأيهم وعزت جماعتهم؛ فلا توقظن نائمهم. فقال: كأنك تتوعدني بهم! أما واللَّه لتعلمن إذا نالت (لعلها أجالت) غطاريف غسان الخيل في دياركم أن أيقاظ قومك سينامون نومة لا حلم فيها: تجتث أصولهم وينقى فلهم إلى اليابس الجرد والنازح الثمد. ثم رجع عمرو بن كلثوم عنه وجمع قومه وقال: ألا فاعلم ... إلخ.

(١) في «الأصول»: «أيقاظي» بياء في آخرها.

(٢) الفل: القوم المنهزمون. والجرد (بالتحريك): من الأرض ما لا ينبت. والثمد (بالفتح بالتحريك): الماء القليل الذي لا مادّ له.

والنازح: الذي نفد ماؤه؛ يقال نزحنا البئر، ونزحت البئر، فهو لازم متعدّ. يريد أن ينفي المنهزمين منهم إلى أرض لا نبات فيها ولا ماء.

(٣) كذا في «ج». والكبة (بالفتح): الحملة في الحرب والدفعة في القتال، وكبة كل شيء شدته ودفعته مثل كبة الشتاء والجري. وفي «أ، م»: «وأن زناد كتبنا» بتقديم التاء المثناة من فوق على الباء الموحدة. وفي «ب، س»: «زناد كتبتنا» بزيادة تاء قبل النون.

وأحسب أن صوابه: «وأن ذياد كبتنا شديد» أي أن دفع حملتنا في القتال شديد لا يطاق.

(٤) الحولي: ما أتى عليه حول. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه. وهو في السنة الأولى حولي ثم ثنى ثم رباع ثم قارح.

(٥) المسالح: جمع مسلحة، وهي القوم ذوو السلاح.

(٦) الخبت: المطمئن من الأرض، واسم لعدة مواضع. وفرتاج (بكسر الفاء): موضع. وبنو ناج: بطن من عدوان.

(٧) في «أكثر الأصول»: «اليابوت». وفي «ج»: «اليلبوت»، وكلاهما تحريف. والينبوت: نبات، وهو ضربان، أحدهما ذو شوك، وهو المراد هنا. والحاج: الشوك أو ضرب منه. يريد أنها تمشي مثقلة بما تحمل من لؤم ومنقصة كما يمشي المقيد في هذين الضربين من الشوك.