ذكر لخبر عن السبب في اتصال الهجاء بين جرير والأخطل
  ملطَّمون بأعقار(١) الحياض فما ... ينفكّ من دارميّ فيهم أثر
  بئس الصحاة(٢) وبئس الشّرب شربهم ... إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر
  قوم تناهت إليهم كلّ مخزية ... وكلّ فاحشة سبّت بها مضر
  الآكلون خبيث الزّاد وحدهم ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر
  وهذه القصيدة من فاخر شعر الأخطل ومقدّمه ومما غلَّب فيه على جرير. وقد احتاج جرير إلى سلخ(٣) بيته هذا الأخير فردّه عليه بعينه في نقيضة هذه القصيدة، وضمّنه بيتين من شعره فقال:
  /
  الاكلون خبيث الزّاد وحدهم ... والنازلون إذا واراهم الخمر(٤)
  والظاعنون على العمياء إن رحلوا ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر
  وفي هذه القصيدة يقول الأخطل يمدح عبد الملك:
  إلى امرئ لا تعرّينا(٥) نوافله ... أظفره اللَّه فليهنئّ له الظَّفر
  الخائض الغمر والميمون طائره ... خليفة اللَّه يستسقى به المطر
  والهمّ بعد نجيّ النفس يبعثه(٦) ... بالحزم والأصمعان(٧) القلب والحذر
  وما الفرات إذا جاشت غواربه ... في حافتيه وفي أوساطه العشر(٨)
  وزعزعته(٩) رياح الصّيف(١٠) واضطربت ... فوق الجآجيء(١١) من آذيّه غدر
  مسحنفر(١٢) من جبال(١٣) الروم يستره ... منها أكافيف(١٤) فيها دونه زور
(١) الأعقار: جمع عقر (بالضم) وهو مؤخر الحوض حيث تقف الإبل إذا وردت، أو هو مقام الشاربة منه.
(٢) كذا في «الديوان». وهو يريد أن يذم بني يربوع في حل سكرهم إذا شربوا وصحوهم. وفي «الأصول»: «بئس الصحاب». والمزاء (بالضم): من أسماء الخمر؛ سميت بذلك للذعها اللسان.
(٣) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «نسخ بيته».
(٤) الخمر (بالتحريك): ما واراك من شجر وغيره.
(٥) كذا في «الديوان». وفي «أكثر الأصول»: «لا تعدينا». وفي «ح»: «لا يعدينا».
(٦) في «الأصول»: «بلغته» والتصويب من «الديوان».
(٧) في الأصول «والأصمعين» والتصويب من «الديوان»؛ إذ المعنى المراد: والأصمعان القلب والحذر يبعثانه أيضا. والقلب الأصمع:
الذكي المتوقد الفطن، وكذلك يوصف بالصمع الرأي الحازم.
(٨) جاشت: هاجت. والغوارب: المتون؛ يريد أمواجه وأعاليه. وفي «الديوان»: «حوالبه» وهي أمواجه. والعشر: شجر.
(٩) زعزعته: حركته، وقيل حركته تحريكا شديدا. وفي «الديوان»: «ذعذعته» بالذال المعجمة، وهما بمعنى واحد.
(١٠) في «الأصول»: «رياح الطير» والتصويب من «الديوان».
(١١) الجآجيّ: الصدور، واحدها جؤجؤ. والآذيّ: الموج. والغدر: جمع غدير. وفي «الأصول» عذر (بعين مهملة وذال معجمة) والتصويب من «الديوان».
(١٢) مسحنفر: سريع الجري.
(١٣) في «الأصول»: «من بلاد الروم» والتصويب من «الديوان» و «لسان العرب».
(١٤) في «الأصول»: «أكاليف» والتصويب من «الديوان» و «لسان العرب» (مادة كفف). وأكافيف الجبل: حيوده أي حروفه الناتئة في أعراضه. والزور (بالتحريك): الميل. يصف الفرات وجريه في جبال الروم المطلة عليه حتى يشق بلاد العراق.