خبر ورقاء بن زهير ونسبه
  عبد الحميد: وفقد شأس وقصّ أثره ونشد، وركبوا إلى الملك فسألوه عن حاله. فقال لهم الملك: حبوته وسرّحته.
  فقالوا: وما متّعته به؟ قال: مسك وكسا ونطوع وقطف. فأقبلوا يقصّون أثره فلم تتّضح لهم سبيله. فمكثوا كذلك ما شاء اللَّه، لا أدري كم، حتى رأوا امرأة رياح باعت بعكاظ قطيفة حمراء أو بعض ما كان من حباء الملك، فعرفت وتيقّنوا أن رياحا ثأرهم. قال أبو عبيدة: وزعم الآخر قال: نشد(١) زهير بن جذيمة الناس، فانقطع ذكره على منعج وسط غنيّ، ثم أصابت الناس جائحة وجوع، فنحر زهير ناقة(٢)، فأعطى امرأة شطَّيها(٣) / فقال: اشترى لي الهدب والطَّيب. فخرجت بذلك الشحم والسّنام تبيعه حتى دفعت(٤) إلى امرأة رياح، فقالت: إنّ معي شحما أبيعه في الهدب والطَّيب؛ فاشترت المرأة منها. فأتت المرأة زهيرا بذلك، فعرف الهدب. فأتى زهير غنيّا، فقالوا: نعم! قتله رياح بن الأسكّ، ونحن برءاء منه. وقد لحق بخاله من بني الطمّاح وبني أسد بن خزيمة. فكان يكون اللَّيل عنده ويظهر في أبان(٥) إذا أحسّ الصبح، يرمي الأروى(٦)؛ إلى أن أصبح ذات يوم وهو عنده وعبس تريغه(٧). فركب خاله جملا وجعله على كفل(٨) وراءه. فبينا هو كذلك إذا دنت، فقالوا(٩): هذه خيل عبس تطلبك. فطمر(١٠) في قاع شجر فحفر في أصل سوقه. ولقيت الخيل خاله فقالوا: هل كان معك أحد؟ قال لا. فقالوا: ما هذا المركب وراءك؟ لتخبرنّا أو لنقتلنّك! قال: لا كذب، هو رياح في ذلك القاع. فلما دنوا منه قال الحصينان: يا بني عبس دعونا وثأرنا، فخنسوا(١١) عنهما. فأخذ رياح نعلين من سبت(١٢) فصيّرهما على صدره حيال كبده، ونادى: هذا غزالكما الذي تبغيان. فحمل عليه أحدهما فطعنه، فأزالت النعل الرمح إلى حيث شاكلته، ورماه رياح مولَّيا فجذم(١٣) صلبه. قال: ثم جاء الآخر فطعنه فلم يغن شيئا، ورماه مولَّيا فصرعه. فقالت عبس: أين تذهبون إلى هذا! واللَّه / ليقتلنّ منكم عدد مراميه، وقد جرحاه فسيموت. قال: وأخذ رياح رمحيهما وسلبيهما وخرج حتى سند إلى أبان. فأتته عجوز وهو يستدمي(١٤) على الحوض ليشرب منه / وقالت: استأسر تحي، فقال: جنّبيني(١٥) حتى أشرب. قال: فأبت ولم تنته. فلما غلبته أخذ مشقّصا(١٦) وكنّع(١٧) به كرسوعي يديها. قال فقال عبد الحميد: فلما
(١) يريد: سأل الناس.
(٢) كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «ناقته».
(٣) شطيها: جانبي سنامها.
(٤) دفعت: انتهت.
(٥) أبان: جبل.
(٦) الأروى: اسم جمع للأروية وهي أنثى الوعول.
(٧) تريغه: تطلبه.
(٨) الكفل (بالكسر): شيء مستدير يتخذ من الخرق ونحوها ويوضع على سنام البعير.
(٩) كذا في «الأصول». ولعل صوابه: «إذ دنت الخيل فقال هذه ... إلخ».
(١٠) طمر: معناها هنا استخفى.
(١١) خنسوا: تأخروا وتنحوا.
(١٢) السبت: (بالكسر): الجلد المدبوغ.
(١٣) جذمه: قطعه بسرعة.
(١٤) يستدمي: يطأطئ رأسه يقطر منه الدم.
(١٥) جنبيني: ابعدي عني؛ يقال: جنبه تجنيبا وتجنبه وجانبه وتجانبه واجتنبه إذا بعد عنه. وفي «الأصول»: «اجنبيني» بزيادة الألف، وهو تحريف. ويقال: جنبه الشيء يجنبه (من باب نصر)، وجنّبه إياه تجنيبا، وأجنبه إياه، إذا نحاه عنه.
(١٦) المشقص: نصل عريض أو هو سهم فيه ذلك النصل.
(١٧) كتع (بالتضعيف): قطع. وفي بعض «الأصول»: «كنع» بالتاء، وهو تصحيف.