كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر ورقاء بن زهير ونسبه

صفحة 53 - الجزء 11

  استبان لزهير بن جذيمة أنّ رياحا ثأره قال يرثي شأسا:

  رثاء زهير بن جذيمة لابنه شأس:

  بكيت لشأس حين خبّرت أنّه ... بماء غنيّ آخر اللَّيل يسلب

  لقد كان مأتاه الرّداه لحتفه ... وما كان لولا غرّة اللَّيل يغلب

  فتيل غنيّ ليس شكل كشكله ... كذاك لعمري الحين للمرء يجلب

  سأبكي عليه إن بكيت بعبرة ... وحقّ لشأس عبرة حين تسكب

  وحزن عليه ما حييت وعولة ... على مثل ضوء البدر أو هو أعجب

  إذا سيم⁣(⁣١) ضيما كان للضيم منكرا ... وكان لدي الهيجاء يخشى ويرهب

  وإن صوّت الداعي إلى الخير مرّة ... أجاب لما يدعو له حين يكرب⁣(⁣٢)

  ففرّج عنه ثم كان وليّه ... فقلبي عليه لو بدا القلب ملهب

  وقال زهير بن جذيمة حين قتل شأس: شأس وما شأس! والبأس وما البأس! لولا مقتل شأس، لم يكن بيننا بأس.

  قال: ثم انصرف إلى قومه، فكان لا يقدر على غنويّ إلَّا قتله.

  قال عبد الحميد: فغزت بنو عبس غنيّا قبل أن يطلبوا قودا أو دية مع أخي شأس الحصين بن زهير بن جذيمة والخصين بن أسيد بن جذيمة ابن أخي زهير. فقيل / ذلك لغنيّ؛ فقالت لرياح: انج، لعلنا نصالح على شيء أو نرضيهم بدية وفداء. فخرج رياح رديفا لرجل من بين كلاب - وزعم أبو حيّة النّميريّ أنه من بني جعد⁣(⁣٣) - وكان معهما صحيفة فيها آراب⁣(⁣٤) لحم، لا يريان إلَّا أنهما قد خالفا وجهة القوم، فأوجفا أيديهما في الصّحيفة فأخذ كل واخذ منهما وذرة⁣(⁣٥) ليأكلها، مترادفين لا يقدران على النزول. قال: فمرّ فوق رؤسهما صرد⁣(⁣٦) فصرصر، فألقيا اللحم وأمسكا بأيديهما وقالا: ما هذا! ثم عادا إلى مثل ذلك فأخذ كل واحد منهما عظما، ومرّ الصّرد فوق رؤوسهما فصرصر؛ فألقيا العظمين وأمسكا بأيديهما وقالا: ما هذا! ثم عادا الثالثة فأخذ كل واحد منهما قطعة، فمرّ الصّرد فوق رؤوسهما فصرصر، فألقيا القطعتين⁣(⁣٧)؛ حتى فعلا ذلك ثلاث مرات، فإذا هما بالقوم أدنى ظلم (وأدنى ظلم⁣(⁣٨) أي أدنى شيء) وقد كانا يظنّان أنهما قد خالفا وجهة القوم. فقال صاحبه لرياح: اذهب فإني آتي القوم أشاغلهم عنك وأحدّثهم حتى تعجزهم ثم ماض إن تركوني. فانحدر رياح عن عجز الجمل فأخذ


(١) سامه الأمر: كلفه إياه، وأكثر ما يستعمل في العذاب والشر والظلم.

(٢) يكرب: يصيبه الكرب وهو الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس.

(٣) لم نجد المظان «بني جعد». فلعله «من بني جعدة».

(٤) آراب لحم: قطع لحم. وفي «الأصول»: «أداب لحم» وهو تحريف.

(٥) كذا في «ج». والوذرة (بالفتح ويحرك): القطعة الصغيرة من اللحم لا عظم فيها، وقيل: هي ما قطع من اللحم مجتمعا عرضها بغير طول. وفي «سائر الأصول»: «وضرة» وهو تحريف.

(٦) الصرد. طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر، نصفه أبيض ونصفه أسود، وهو من سباع الطير، ضخم المنقار عظيم البرثن، كانت العرب تتطير من صوته.

(٧) كذا في «ح». وفي «سائر الأصول»: «العظمين».

(٨) في «الأصول»: «وأدنى ظلام» وظاهر أنه تحريف؛ إذ هو ما قبله، وكرره المؤلف ليفسره.