كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر ورقاء بن زهير ونسبه

صفحة 54 - الجزء 11

  أدراجه⁣(⁣١) وعدا أثر الراحلة حتى أتى ضفّة⁣(⁣٢) فاحتفر تحتها مثل مكان الأرنب فولج فيه، ثم أخذ نعليه فجعل إحداهما على سرّته والأخرى على صفنه⁣(⁣٣) ثم شدّ عليهما العمامة، ومضى صاحبه حتى لقي القوم، فسألوه فحدّثهم وقال: هذه غنيّ كاملة وقد دنوت منهم، فصدّقوه وخلَّوّا سربه⁣(⁣٤). فلما ولَّى رأوا مركب الرجل خلفه، / فقالوا: من الذي كان خلفك / فقال: لا مكذبة! ذلك رياح في الأول من السّمرات. فقال الحصينان لمن معهما: قفوا علينا حتى نعلم علمه فقد أمكننا اللَّه من ثأرنا، ولم يريدا أن يشركهما فيه أحد، فمضيا ووقف القوم عنهما. قالوا قال رياح: فإذا هما ينقلان فرسيهما، فما زالا يريغاني، فابتدراني فرميت الأوّل فبترت صلبه، وطعنني الآخر قبل أن أرميه وأراد السّرّة فأصاب الرّبلة⁣(⁣٥)، ومرّ الفرس يهوي به، فاستدبرته بسهم فرشقت به صلبه فانفقر منحنى الأوصال، وقد بترت صلبيهما. قال أبو عبيدة قال أبو حيّة: بل قال رياح: استدبرته بسهم وقد خرجت قدمه فقطعتها، فكأنما نشرت بمنشار. قال عبد الحميد: وندّ فرساهما فلحقا⁣(⁣٦) بالقوم. قال رياح: فأخذت رمحيهما فخرجت بهما حتى أتيت رملة فسندت فغرزت الرمحين فيها ثم انحدرت. قال: وطلبه القوم، حتى إذا رفع لهم الرمحان لم يقربوهما علم اللَّه حتى وجدوا أثر رياح خارجا قد فات. وانطلق رياح خارجا حتى ورد ردهة عليها بيت أنمار بن بغيض وفيه امرأة ولها ابنان قريبان منها وجمل لها راتع في الجبل، وقد مات رياح عطشا. فلمّا رأته يستدمي طمعت فيه ورجت أن يأتيها ابناها، فقالت له: استأسر. فقال لها: دعيني ويحك أشرب، فأبت. فأخذ حديدة إمّا سكَّينا وإمّا مشقصا فجذم به رواهشها⁣(⁣٧) فماتت، وعبّ في الماء حتى نهل⁣(⁣٨) ثم توجّه إلى قومه. فقال رياح فيها وفي الحصينين:

  قالت لي استأسر لتكتفني ... حينا ويعلو قولها قولي

  ولأنت أجرأ من أسامة⁣(⁣٩) أو ... منّي غداة وقفت للخيل

  / إذ الحصين لدى الحصين كما ... عدل الرّجازة جانب الميل

  قال الأثرم: الرّجازة شيء يكون مع المرأة في هودجها، فإذا مال أحد الجانبين وضعته في الناحية الأخرى ليعتدل. قال أبو عبيدة: يعني حصين بن زهير بن جذيمة، وحصين بن أسيد بن جذيمة وهو ابن عمه.

  قال أبو عبيدة قال عبد الحميد: واللَّه لقد سمعت هذا الحديث على ما حدثتك به منذ ستين سنة قال عبد الحميد: وما سمعت أنّ بني عبس أدركوا بواحد منهم ولا اقتادوا ولا أنذروا، ولا سمعت فيه من الشعر لنا ولا لغيرنا في الجاهليّة بأكثر مما أنشدتك. وإلى هذا انتهى حديثنا وحديثه، ولا واللَّه ما قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة في حربنا، غير أنّ الكميت بن زيد الأسديّ، وكانت له أمّان من غنيّ، ذكر من مقتل


(١) الأدراج: الطرق.

(٢) الضفة: جانب النهر والوادي.

(٣) الصفن (بالتحريك وبالفتح): وعاء الخصبة.

(٤) السرب (بالفتح وهو الأرجح، وقال أبو عمرو بالكسر): الطريق.

(٥) الربلة (بالفتح وبالتحريك وهو الأفصح): باطن الفخذ.

(٦) في «الأصول»: «فلحقنا».

(٧) الرواهش: العصب الذي في ظاهر الذراع، وقيل: هي عصب وعروق في باطن الذراع، واحدها راهشة وراهش.

(٨) نهل هنا: روى.

(٩) أسامة: اسم علم للأسد.