مقتل زهير بن جذيمة العبسي
  عن الفرس حتى قلبه، وخرّ خالد فوقع فوقه، ورفع المغفر عن رأس زهير وقال: يا لعامر اقتلونا معا! فعرفوا أنّهم بنو عامر. فقال ورقاء: وا انقطاع ظهراه! إنها لبنو عامر! سائر اليوم. وقال غيره: فقال بعض بني جذيمة: وا انقطاع ظهري!. قال: ولحق حندج بن البكَّاء وقد حسر خالد المغفر عن رأس زهير فقال: نحّ رأسك يا أبا جزء، لم يحن(١) يومك. قال: فنحّى خالد رأسه وضرب حندج رأس زهير، وضرب ورقاء بن زهير رأس خالد بالسيف وعليه درعان، وكان أسجر(٢) العينين، أزبّ أقمر، مثل الفالج، فلم يغن شيئا. قال: وأجهض(٣) ابنا زهير القوم عن زهير فانتزعاه مرتثّا. فقال خالد حين استنقذ زهيرا ابناه. والهفتاه! قد كنت أظنّ أن هذا المخرج سيسعكم(٤)! ولام حندجا. فقال حندج وكان لجلالته غصة(٥) إذا تكلم. السيف حديد، والساعد شديد، وقد ضربته ورجلاي متمكَّنتان في الركابين وسمعت السيف قال قب حين وقع برأسه، ورأيت على ظبته مثل ثمر المرار، وذقته فكان حلوا. / فقال خالد: قتلته بأبي أنت!. ونظر بنو زهير فإذا الضربة قد بلغت الدّماغ. ونهي بنو زهير أن يسقوا أباهم الماء، فاستسقاهم فمنعوه حتى نهك عطشا. قال: وذلك أنّ المأموم(٦) / يخاف عليه الماء، حتى بلغ(٧) منه العطش، فجعل يهتف: أميّت أنا عطشا(٨)، وينادي: يا ورقاء - قال أبو حيّة: فجعل ينادي يا شأس - فلمّا رأوا ذلك سقوه فمات لثالثة، فقال ورقاء بن زهير:
  شعر ورقاء بن زهير حين قتل والده:
  رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول(٩) أبادر
  إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريغان نصل السّيف والسيف نادر(١٠)
  فشلَّت يميني إذ ضربت ابن جعفر ... وأحرزه منّي الحديد المظاهر
  قال أبو عبيدة: وسمعت أبا عمرو بن العلاء ينشد هذا البيت فيها:
  وشلَّت يميني يوم أضرب خالدا ... وشلّ بناناها وشلّ الخناصر
  قال أبو عبيدة: وأنشدني أبو سرّار أيضا فيها:
  فيا ليتني من قبل أيّام خالد ... ويوم زهير لم تلدني تماضر
  تماضر بنت عمرو بن الشّريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف السّلميّ امرأة زهير بن جذيمة. قال أبو عبيدة:
(١) وردت هذه الكلمة محرفة في «الأصول» بين لم «يجز» و «لم يجز».
(٢) سجرة العين أن يخالط بياضها حمرة. وأزب: كثير الشعر. والقمرة: لون إلى الخضرة، أو هي بياض فيه كدرة. والفالج هنا:
الجمل الضخم ذو السنامين.
(٣) أي نحياهم عنه وغلباهم عليه. والمرتث: الذي يحمل من المعركة وبه رمق.
(٤) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «سينفعكم».
(٥) كذا في أكثر الأصول. وفي «ج»: «لجلالابه غصة ...». ولعل صوابه: «وكان لجلاجا به غصة إذا تكلم». واللجلاج: الذي يجول لسانه في شدقه فلا يبين كلامه.
(٦) المأموم: الذي أصيب في أم رأسه. وأم الرأس: الدماغ.
(٧) في «الأصول»: «حتى بلغه العطش».
(٨) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «أمية أنا عطش» وهو تحريف.
(٩) العجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها الثكلى لعجلتها في جيئتها وذهابها جزعا.
(١٠) أراغ الشيء: طلبه وأراده. ونادر: ساقط.