كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مقتل زهير بن جذيمة العبسي

صفحة 62 - الجزء 11

  / قال: وكان ضلع بني عبس مع جرير، فقال الفرزدق فيهم هذه الأبيات. هذه رواية أبي عبيدة.

  وأمّا الأصمعيّ فإنه ذكر، فيما رواه الأثرم عنه، قال حدّثني غير واحد من الأعراب أنّ سبب مقتل زهير العبسيّ أنّ ابنه شأس بن زهير وفد إلى بعض الملوك فرجع / ومعه حباء⁣(⁣١) قد حبي به، فمرّ بأبيات من بني عامر بن صعصعة وأبيات من بني غنيّ على ماء لبني عامر أو غيرهم - الشكّ من الأصمعيّ -. قال: فاغتسل، فناداه الغنويّ: استتر، فلم يحفل بما قال. فقال: استتر ويحك! البيوت بين يديك؛ فلم يحفل. فرماه الغنويّ رياح بن الأسكّ بسهم أو ضربه فقتله والحيّ خلوف⁣(⁣٢)، فاتّبعه أصحاب شأس وهم في عدّة، فركب الفلاة واتّبعوه فرهقوه⁣(⁣٣)، فقتل حصينا وأخاه⁣(⁣٤) حصينا، ثم نجا على وجهه حتى أدركه العطش، فلجأ إلى منزل عجوز من بني إنسان (وبنو إنسان حيّ من بني جشم). فقالت له العجوز: لا تبرح حتى يأتي بنيّ فيأسروك. قال الأصمعيّ: فأخبرني مخبران اختلفا؛ فقال أحدهما: إنه أخذ سكَّينا فقطع عصبتي يديها، وقال الآخر: أخذ حجرا فشدخ به رأسها، ثم أنشأ يقول:

  ولأنت أشجع من أسامة أو ... منّي غداة وقفت للخيل

  إذ⁣(⁣٥) الحصين لدى الحصين كما ... عدل الرّجازة جانب الميل

  وإذا أنهنهها⁣(⁣٦) لأفتلها ... جاشت ليغلب قولها قولي

  / قال: فضرب للزمان ضربانه⁣(⁣٧)، فالتقى خالد بن جعفر بن كلاب وزهير بن جذيمة العبسيّ. فقال خالد لزهير:

  أما أن لك أن تشتفي وتكفّ؟ - قال الأصمعيّ: يعني مما قتل بشأس - قال: فأغلظ له زهير وحقّره. قال الأصمعيّ:

  وأخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيّب أنّ ذلك الكلام بينهما كان بعكاظ عند قريش. فلمّا حقّره زهير وسبّه قال خالد: عسى إن كان! يتهدّده ثم قال: اللَّهمّ أمكن يدي هذه الشقراء القصيرة من عنق زهير بن جذيمة ثم أعنيّ عليه. فقال زهير: اللهم أمكن يدي هذه البيضاء الطويلة من عنق خالد ثم خلّ بيننا. فقالت قريش: هلكت واللَّه يا زهير!. فقال: إنكم واللَّه الذين لا علم لكم.

  قال الأصمعيّ: ثم نرجع إلى حديث العبسيّين والعامريّين، وبعضه من حديث أبي عمرو بن العلاء. قال:

  فجاء⁣(⁣٨) أخو امرأة زهير - وكانت امرأته فاطمة بنت الشّريد السّلميّة، وهي أمّ قيس بن زهير، وكان زهير قد أساء إليهم في شيء - فجاء أخوها إلى بني عامر فقال: هل لكم في زهير بن جذيمة ينتج إبله ليس معه أحد غير أخيه أسيد بن جذيمة وعبد راع لإبله! وجئتكم من عنده، وهذا لبن حلبوه لي. فذاقوه فإذا هو ليس بحازر⁣(⁣٩)، فعلموا أنّه قريب. فخرج حندج بن البكَّاء وخالد بن جعفر ومعاوية⁣(⁣١٠) بن عبادة بن عقيل، ليس على أحدهم درع غير خالد


(١) الحباء: العطاء.

(٢) خلوف: غيب.

(٣) رهقوه: غشوه ولحقوه.

(٤) هو ابن عمه، كما تقدّم.

(٥) في «الأصول» هنا: «عدل الحصين لدى الحصين ...». وقد تقدّمت هذه الأبيات في ص ٨٠ من هذا الجزء مع اختلاف في الرواية.

(٦) نهنهه: زجره وكفه. وفلته عن كذا: صرفه ولواه، مثل لفته عنه. وجاشت: هاجت وغلت كما تجيش القدر.

(٧) يقولون: ضرب الدهر ضربانه، ومن ضربانه، ومن ضربه إذا ذهب بعضه.

(٨) في «الأصول»: «فجاءه» ولا يستقيم بها الكلام.

(٩) في «ب، س»: «بخاثر».

(١٠) في «الأصول»: هنا: «وعمرو بن عبادة بن عقيل». والتصويب مما تقدّم في ص ٨٥ و ٨٧.