ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
٨ - ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
  مقتل خالد بن جعفر وسببه:
  قتله الحارث بن ظالم المرّيّ. قال أبو عبيدة: كان الذي هاج من الأمر بين الحارث بن ظالم وخالد بن جعفر أنّ خالد بن جعفر أغار على رهط الحارث بن ظالم من بني يربوع بن غيظ بن مرّة وهم في واد يقال له حراض، فقتل الرجال حتى أسرع(١)، والحارث يومئذ غلام، وبقيت النساء. وزعموا أنّ ظالما هلك في تلك الوقعة من جراحة أصابته يومئذ. وكانت نساء بني ذبيان لا يحلبن النّعم، فلمّا بقين بغير رجال طفقن يدعون الحارث، فيشدّ عصاب(٢) الناقة ثم يحلبنها، ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن، فنشأ على بغض خالد. وأردف ذلك قتل خالد زهير بن جذيمة؛ فاستحقّ العداوة في غطفان. فقال خالد بن جعفر في تلك الوقعة:
  تركت نساء يربوع بن غيظ ... أرامل يشتكين إلى وليد(٣)
  يقلن لحارث جزعا عليه ... لك الخيرات مالك لا تسود
  تركت بني جذيمة في مكرّ ... ونصرا قد تركت لدى الشهود
  ومنّي سوف تأتي قارعات ... تبيد المخزيات ولا تبيد
  وقيس ابن المعارك غادرته ... قناتي في فوارس كالأسود
  وحلَّت بركها ببني جحاش ... وقد مدّوا إليها من بعيد
  وحيّ بني سبيع يوم ساق ... تركناهم كجارية وبيد(٤)
  / قال أبو عبيدة. فمكث خالد بن جعفر برهة(٥) من دهره، حتى كان(٦) من أمره وأمر زهير بن جذيمة ما كان، وخالد يومئذ رأس هوازن. فلمّا استحقّ عداوة عبس وذبيان أتى النّعمان بن المنذر(٧) ملك الحيرة لينظر ما قدره عنده، وأتاه بفرس؛ فألفى عنده الحارث بن ظالم قد أهدى له فرسا فقال: أبيت اللَّعن، نعم صباحك، وأهلي
(١) كذا في «الأصول»: ولعل صوابها. «حتى أسرف».
(٢) عصاب الناقة: ما تشدّ به لتدر؛ يقال: عصب الناقة يعصيها عصبا وعصابا إذا شد فخذيها أو أدنى منخريها بحبل لتدر. ويقال للحبل الذي تشد به عصاب.
(٣) تقدّمت هذه الأبيات ضمن أبيات من هذه القصيدة في صفحة ٨٣ مع اختلاف في بعض الكلمات.
(٤) راجع الحاشية رقم ١ من صفحة ٨٤ من هذا الجزء.
(٥) البرهة (بالضم وبالفتح): المدّة الطويلة.
(٦) في «الأصول»: «حتى إذا كان» بزيادة «إذا». وظاهر أن الكلام لا يستقيم بها.
(٧) الذي في «الكامل» لابن الأثير أن الملك الذي اجتمع عنده خالد بن جعفر والحارث بن ظالم ثم قتل الحارث خالدا في جواره ثم قتل ابنه بعد ذلك فأخذ يطارد الحارث لقتله ابنه ومن استجار به، هو النعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة. ثم قال ابن الأثير بعد كلام كثير: وقيل إن الملك الذي قتل ابنه كان الأسود بن المنذر. ومن هذا نفهم معنى إلحاح الأسود في مطاردة الحارث في صفحة ١٠٦ وما بعدها؛ فإن ذلك بناء على هذا القول الآخر.