ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
  فداؤك! هذا فرس من خيل بني مرّة(١)، فلن تؤتى(٢) بفرس يشقّ غباره، إن لم تنسبه(٣) انتسب، كنت ارتبطته لغزو بني عامر بن صعصعة؛ / فلمّا أكرمت خالدا أهديته إليك. وقام الربيع بن زياد العبسيّ فقال: أبيت اللَّعن! نعم صباحك، وأهلي فداؤك! هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة ولم يعتلك(٤) في سفر، وفضله على هذين الفرسين كفضل بني عامر على غيرهم. قال: فغضب النّعمان عند ذلك وقال: يا معشر قيس، أرى خيلكم أشباها(٥)! أين اللواتي كأنّ أذنابها شقاق(٦) أعلام وكأنّ مناخرها وجار(٧) الضّباع، وكأنّ عيونها بغايا النساء، / رقاق المستطعم(٨) تعالك(٩) اللَّجم في أشداقها، تدور على مذاودها(١٠) كأنما يقضمن(١١) حصى. قال خالد: زعم الحارث - أبيت اللَّعن - أنّ تلك الخيل خيله وخيل آبائه. فغضب النعمان عند ذلك على الحارث بن ظالم. فلمّا أمسوا اجتمعوا عند قينة من أهل الحيرة يقال لها بنت عفزر يشربون. فقال خالد: تغنّي:
  دار لهند والرّباب وفرتنى ... ولميس قبل(١٢) حوادث الأيّام
  وهنّ خالات الحارث بن ظالم، فغضب الحارث بن ظالم حتى امتلأ غيظا وغضبا، وقال: ما تزال تتبع أولى بآخره!. قال أبو عبيدة: ثم إنّ النّعمان بن المنذر دعاهم بعد ذلك وقدّم لهم تمرا؛ فطفق خالد بن جعفر يأكل ويلقي نوى ما يأكل من التمر بين يدي الحارث. فلمّا فرغ القوم قال خالد بن جعفر: أبيت اللعن! انظر إلى ما بين يدي الحارث بن ظالم من النّوى! ما ترك لنا تمرا إلَّا أكله. فقال الحارث: أمّا أنا فأكلت التمر وألقيت النّوى، وأمّا أنت فأكلته بنواه. فغضب خالد وكان لا ينازع، فقال: أتنازغني يا حارث وقد قتلت حاضرتك وتركتك يتيما في حجور النساء!. فقال الحارث: ذلك يوم لم أشهده، وأنا مغن اليوم بمكاني. قال خالد: فهلَّا تشكر لي إذا قتلت زهير بن جذيمة وجعلتك سيّد غطفان!. قال: بلى أشكرك على ذلك. فخرج الحارث بن ظالم إلى بنت عفزر، فشرب عندها وقال لها تغنّي(١٣):
  تعلَّم أبيت اللَّعن أنّي فاتك ... من اليوم أو من بعده بابن جعفر
  / أخالد قد نبّهتني غير نائم ... فلا تأمنن فتكي يد الدهر واحذر
(١) في «الأصول»: «من خيل بني قرة» وهو تحريف؛ إذ هو يفتخر بخيله وخيل آبائه من بني مرة.
(٢) في «الأصول»: «نؤتي» بالنون.
(٣) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «إن لم ننسبه» بالنون.
(٤) لعل صوابه: ... ولم يعتلل».
(٥) في «أكثر الأصول»: «أي خيلكم أشباهنا». والتصويب في «ج».
(٦) في «الأصول الخطية» جميعا: «شقاق الحلام». والشقاق: جمع شقة وهي نصب الشيء أو القطعة منه إذا شق. والشقاق أيضا:
جمع الشقة (بالضم) ضرب من الثياب معروف، وهي السبية المستطيلة.
(٧) الوجار (بالفتح وبالكسر): حجر الضبع وغيرها. وكان ينبغي أن يكون «وجر الضباع» أو «أوجرة الضباع» ليكون تشبيه جمع بجمع.
(٨) مستطعم الفرس: حجفلته وما حولها.
(٩) كذا في «ب، س». ولم نجد في «معجمات اللغة» التي بين أيدينا هذا الفعل من علك. وفي «الأصول الخطية»: «تهالك اللجم ...».
(١٠) المذاود: جمع مذود (وزان منبر) وهو معتلف الدابة. وفي «الأصول»: «على مداودها» بالدال المهملة وهو تصحيف.
(١١) القضم: الأكل بأطراف الأسنان أو هو أكل الشيء اليابس.
(١٢) في «الأصول»: «قول حوادث الأيام». والتصويب للأستاذ المرحوم الشنقيطي في نسخته الخاصة من طبع بلاق.
(١٣) الذي في «ج»: «فشرب عندها ثم تغنى وقال».