ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
  كسوت الجعفريّ أبا جزيء ... ولم تحفل به سيفا صقيلا
  أبأت(١) به زهير بني بغيص ... وكنت لمثلها ولها حمولا
  كشفت له القناع وكنت ممن ... يجلَّي العار والأمر الجليلا
  فأجابه الحارث بن ظالم:
  أتاني عن قييس بني زهير ... مقالة كاذب ذكر التّبولا
  فلو كنتم كما قلتم لكنتم ... لقاتل ثأركم حرزا أصيلا
  ولكن قلتم جاور سوانا ... فقد جلَّلتنا حدثا جليلا
  ولو كانوا هم قتلوا أخاكم ... لما طردوا الذي قتل القتيلا
  إباء غطفان جوار الحارث ولحوقه ببني تميم وطلب بني عامر له:
  قال أبو عبيدة: فلمّا منعته غطفان لحق بحاجب بن زرارة، فأجاره ووعده أن يمنعه من بني عامر. وبلغ بني عامر مكانه في بني تميم، فساروا في عليا هوازن. / فلمّا كانوا قريبا من القوم في أوّل واد من أوديتهم، خرج رجل من بني غنيّ ببعض البوادي، فإذا هو بامرأة من بني تميم ثم من بني حنظلة تجتني الكمأة، فأخذها فسألها عن الخبر، فأخبرته بمكان الحارث بن ظالم عند حاجب بن زرارة وما وعده من نصرته ومنعه. فانطلق بها الغنويّ إلى رحله؛ فانسلَّت في وسط من الليل، فأتى الغنويّ الأحوص بن جعفر، فأخبره أنّ المرأة قد ذهبت وقال: هي منذرة عليك.
  فقال له الأحوص: ومتى عهدك بها؟ قال: عهدي بها والمنيّ يقطر من فرجها. قال: وأبيك إنّ عهدك بها لقريب.
  وتبع المرأة عامر بن مالك يقصّ أثرها حتى انتهى إلى بني زرارة والمرأة عند حاجب وهو يقول لها: أخبريني أيّ قوم أخذوك؟ قالت: أخذني قوم يقبلون بوجوه الظَّباء، ويدبرون بأعجاز النّساء. قال: أولئك بنو عامر. قال: فحدّثيني من في القوم؟ قالت: رأيتهم يغدون على شيخ كبير لا ينظر بمأقيه(٢) حتى يرفعوا له من حاجبيه. قال: ذلك الأحوص بن جعفر. قالت: ورأيت شابا شديد الخلق، كأنّ شعر ساعديه / حلق الدّرع يعذم(٣) القوم بلسانه عذم الفرس العضوض. قال: ذلك عتبة بن بشير بن خالد. قالت: ورأيت كهلا إذا أقبل معه فتيان(٤)، يشرف القوم إليه، فإذا نطق أنصتوا. قال: ذلك عمرو بن خويلد، والفتيان ابناه زرعة ويزيد. قالت: ورأيت شابّا طويلا حسنا، إذا تكلَّم بكلمة أنصتوا لها ثم يؤلَّون(٥) إليه كما تؤلّ الشّول(٦) إلى فحلها. قال: ذلك عامر بن مالك. قال أبو عبيدة:
  فدعا حاجب الحارث بن ظالم فأخبره برأيه وخبر القوم وقال: يا بن ظالم، هؤلاء بنو عامر قد أتوك، فما أنت صانع؟ قال الحارث: ذلك إليك، إن شئت أقمت / فقاتلت(٧) القوم، وإن شئت تنحّيت. قال حاجب: تنحّ عنّي
(١) أبأت القاتل بالقتيل. قتلته به. والظاهر أن في الكلام قلبا، أي أبأته بزهير بني بغيض.
(٢) الماق: لغة في موق العين وهو مؤخرها أو مقدّمها.
(٣) العذم: العض. والمراد بعذم اللسان اللوم والتعنيف.
(٤) ظاهر أن في الكلام نقصا، وتقدير الكلام: ... إذا أقبل أقبل معه فتيان» أو ... كان معه فتيان».
(٥) الأل: السرعة.
(٦) الشول: جمع شائلة وهي الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها.
(٧) في «الأصول الخطية»: «فقابلت» بالياء الموحدة.