كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب

صفحة 72 - الجزء 11

  أخذ مصدق للنعمان إبلا لديهث فاستجارت بالحارث فردها إليها:

  قال: فأمّنه النعمان، وأقام حينا. ثم إنّ مصدّقا للنّعمان أخذ إبلا لامرأة من بني مرّة يقال لها ديهث؛ فأتت الحارث فعلَّقت دلوها بدلوه ومعها بنيّ لها، فقالت: أبا ليلى! إني أتيتك مضافة⁣(⁣١). فقال الحارث: إذا أورد القوم النّعم فنادي بأعلى صوتك:

  دعوت باللَّه ولم تراعي ... ذلك راعيك فنعم الرّاعي⁣(⁣٢)

  وتلك ذود الحارث الكساع⁣(⁣٣) ... يمشي لها بصارم قطَّاع ... يشفي به⁣(⁣٤) مجامع الصّداع

  وخرج الحارث في أثرها يقول:

  أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب⁣(⁣٥) ... كم قد أجرنا من حريب محروب

  وكم رددنا من سليب مسلوب ... وطعنة طعنتها بالمنصوب ... ذاك جهيز الموت عند المكروب

  ثم قال لها: لا تردنّ عليك ناقة ولا بعير تعرفينه إلا أخذتيه ففعلت؛ فأتت على لقوح لها يحلبها حبشيّ، فقالت: يا أبا ليلى! هذه لي. فقال الحبشيّ: كذبت. فقال الحارث: أرسلها لا أمّ لك! فضرط الحبشيّ. فقال الحارث: «است الحالب أعلم»، فسارت مثلا. قال أبو عبيدة: ففي ذلك يقول في الإسلام الفرزدق:

  كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته⁣(⁣٦) كالمغنم المتنهّب

  فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السّيف يضرب

  وما كان جارا غير دلو تعلَّقت ... بحبلين في مستحصد⁣(⁣٧) القدّ مكرب

  خروج الحارث إلى صديق من كندة:

  قال أبو عبيدة حدّثني أبو محمد عصام العجليّ قال: فلمّا قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر في جوار الملك خرج هاربا حتى أتى صديقا له من كندة يحلّ شعبي - قال: شعبي غير ممدود - فلمّا ألحّ الأسود⁣(⁣٨) في طلب


(١) مضافة: ملجأة.

(٢) في «الأصول»:

ذلك داعيك فنعم الداعي

بالدال. والتصويب للمرحوم الشنقيطي في نسخته. وسيأتي هذا الشطر بعد قليل في رجز آخر صحيحا.

(٣) الكسع: الضرب على الدبر؛ يقال: ولي القوم فكسعهم بالسيف، إذا اتبع أدبارهم فضربهم به.

(٤) في «الأصول»: «بها» ومرجع الضمير السيف الصارم في الشطر الذي قبل هذا الشطر.

(٥) المعلوب: اسم سيف له.

(٦) الصرمة هنا: القطعة من الإبل.

(٧) في «ديوان» الفرزدق (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٢٦٠٥ أدب): «في مستحصد الحبل».

والمستحصد: الذي أحكم فتله. والمكرب: المشدود بالكرب (بالتحريك) وهو حبل يشد على عراقي الدلو ثم يثنى ويثلث. وفي «ديوان» الفرزدق: «والمكرب العقد الذي على عرقوه الدلو».

(٨) راجع الهامشة ٣ صفحة ٩٥ من هذا الجزء.