ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
  أخذ مصدق للنعمان إبلا لديهث فاستجارت بالحارث فردها إليها:
  قال: فأمّنه النعمان، وأقام حينا. ثم إنّ مصدّقا للنّعمان أخذ إبلا لامرأة من بني مرّة يقال لها ديهث؛ فأتت الحارث فعلَّقت دلوها بدلوه ومعها بنيّ لها، فقالت: أبا ليلى! إني أتيتك مضافة(١). فقال الحارث: إذا أورد القوم النّعم فنادي بأعلى صوتك:
  دعوت باللَّه ولم تراعي ... ذلك راعيك فنعم الرّاعي(٢)
  وتلك ذود الحارث الكساع(٣) ... يمشي لها بصارم قطَّاع ... يشفي به(٤) مجامع الصّداع
  وخرج الحارث في أثرها يقول:
  أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب(٥) ... كم قد أجرنا من حريب محروب
  وكم رددنا من سليب مسلوب ... وطعنة طعنتها بالمنصوب ... ذاك جهيز الموت عند المكروب
  ثم قال لها: لا تردنّ عليك ناقة ولا بعير تعرفينه إلا أخذتيه ففعلت؛ فأتت على لقوح لها يحلبها حبشيّ، فقالت: يا أبا ليلى! هذه لي. فقال الحبشيّ: كذبت. فقال الحارث: أرسلها لا أمّ لك! فضرط الحبشيّ. فقال الحارث: «است الحالب أعلم»، فسارت مثلا. قال أبو عبيدة: ففي ذلك يقول في الإسلام الفرزدق:
  كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته(٦) كالمغنم المتنهّب
  فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السّيف يضرب
  وما كان جارا غير دلو تعلَّقت ... بحبلين في مستحصد(٧) القدّ مكرب
  خروج الحارث إلى صديق من كندة:
  قال أبو عبيدة حدّثني أبو محمد عصام العجليّ قال: فلمّا قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر في جوار الملك خرج هاربا حتى أتى صديقا له من كندة يحلّ شعبي - قال: شعبي غير ممدود - فلمّا ألحّ الأسود(٨) في طلب
(١) مضافة: ملجأة.
(٢) في «الأصول»:
ذلك داعيك فنعم الداعي
بالدال. والتصويب للمرحوم الشنقيطي في نسخته. وسيأتي هذا الشطر بعد قليل في رجز آخر صحيحا.
(٣) الكسع: الضرب على الدبر؛ يقال: ولي القوم فكسعهم بالسيف، إذا اتبع أدبارهم فضربهم به.
(٤) في «الأصول»: «بها» ومرجع الضمير السيف الصارم في الشطر الذي قبل هذا الشطر.
(٥) المعلوب: اسم سيف له.
(٦) الصرمة هنا: القطعة من الإبل.
(٧) في «ديوان» الفرزدق (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٢٦٠٥ أدب): «في مستحصد الحبل».
والمستحصد: الذي أحكم فتله. والمكرب: المشدود بالكرب (بالتحريك) وهو حبل يشد على عراقي الدلو ثم يثنى ويثلث. وفي «ديوان» الفرزدق: «والمكرب العقد الذي على عرقوه الدلو».
(٨) راجع الهامشة ٣ صفحة ٩٥ من هذا الجزء.