خبر الحارث وعمرو بن الإطنابة
  مسير الحارث إلى عمرو وانخذال عمرو عنه وشعر الحارث في ذلك:
  قال: فلمّا بلغ الحارث شعره هذا ازداد حنقا وغيظا، فسار حتى أتى ديار بني الخزرج، ثم دنا من قبّة عمرو بن الإطنابة، ثم نادى: أيّها الملك أغثني فإني جار مكثور(١) وخذ سلاحك، فأجابه وخرج معه. حتى برز له عطف عليه الحارث وقال: أنا أبو ليلى! فاعتركا مليّا من اللَّيل. وخشي عمرو أن يقتله الحارث فقال له: يا حار، إني شيخ كبير وإنّي تعتريني سنة، فهل لك في تأخير هذا الأمر إلى غد؟ فقال: هيهات! ومن لي به في غد! فتجاولا ساعة، ثم ألقى عمرو الرّمح من يده وقال: يا حار ألم أخبرك أنّ النّعاس قد يغلبني! قد سقط رمحي فاكفف، فكفّ. قال: أنظرني إلى غد. قال: لا أفعل. قال: فدعني آخذ رمحي. قال: خذه. قال: أخشى أن تعجلني عنه أو تفتك بي إذا أردت أخذه. قال: وذمّة ظالم لا أعجلتك ولا قاتلتك ولا فتكت بك حتى تأخذه. قال: وذمّة الإطنابة لا آخذه ولا أقاتلك. فانصرف الحارث إلى قومه وقال مجيبا له:
  اعزفا لي بلذّة قينتيّا ... قبل أن يبكر المنون عليّا
  قبل أن يبكر العواذل إنّي ... كنت قدما لأمرهنّ عصيّا
  ما أبالي أراشد فاصبحاني ... حسبتني عواذلي أم غويّا
  بعد ألَّا أصرّ للَّه إثما ... في حياتي ولا أخون صفيّا
  / من سلاف كأنها دم ظبي(٢) ... في زجاج تخاله رازقيّا(٣)
  / بلغتنا مقالة المرء عمرو ... فأنفنا وكان ذاك بديّا
  قد هممنا بقتله إذا برزنا ... ولقيناه ذا سلاح كميّا
  غير ما نائم تعلَّل بالحل ... م معدّا بكفّه مشرفيّا
  فمننّا عليه بعد علوّ ... بوفاء وكنت قدما وفيّا
  ورجعنا بالصّفح عنه وكان ال ... منّ منا عليه بعد تليّا
  نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
  منها في شعر عمرو بن الإطنابة:
  صوت
  الغناء في شعر عمرو والحارث:
  علَّلاني صاحبيّا ... واسقياني من المروّق ربّا
  إنّ فينا القيان يعزفن بالدفّ ... لفتياننا وعيشا رخيّا
(١) مكثور: كثر أعداؤه أي غلبوه بكثرتهم.
(٢) يصف الخمر بطيب الريح، فشبهها بدم الظبي وهو المسك؛ فإن المسك من دماء الظباء.
(٣) الرازقي: الكتان أو ثياب بيض تتخذ منه، والرازقي أيضا: ضرب من عنب الطائف أبيض طويل الحب.