كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الحارث وعمرو بن الإطنابة

صفحة 86 - الجزء 11

  مرّة بن عوف من لؤيّ بن غالب، وهو قول الحارث بن ظالم ينتمي إلى قريش:

  رفعت السّيف إذ قالوا قريش ... وبيّنت الشّمائل والقبابا⁣(⁣١)

  فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا

  وأتاهم لذلك النّسب، فكان عند عبد اللَّه بن جدعان. فخرجت بنو عامر إلى الحارث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة وعليهم الأحوص بن جعفر، فأصابوا امرأة من بني تميم وجدوها تحتطب، وكان [في⁣(⁣٢)] رأس الخيل التي خرجت في طلب الحارث بن ظالم شريج بن الأحوص، وأصابوا غلمانا يجتنون الكمأة. وكان الذي أصاب تلك المرأة رجلا من غنيّ، فأرادت بنو عامر أخذها منه، فقال الأحوص: لا تأخذوا أخيذة خالي. وكانت⁣(⁣٣) أمّ جعفر (يعني أبا الأحوص)، خبيّة بنت رياح [الغنويّ⁣(⁣٢)] وهي إحدى المنجبات. ويقال: أتى شريج بن / الأحوص بتلك المرأة [إليه⁣(⁣٣)]، فسألها عن بني تميم، فأخبرتهم أنهم لحقوا [بقومهم⁣(⁣٤)] حين بلغهم مجيئكم. فدفعها الأحوص إلى الغنويّ فقال: اعفجها⁣(⁣٥) الليلة واحذر أن تنفلت. فوطئها الغنويّ ثم نام، فذهبت على وجهها. فلمّا أصبح دعوا بها فوجدوها قد ذهبت. فسألوه عنها فقال: هذا حري رطبا من زبّها. وكانت المرأة يقال لها حنظلة⁣(⁣٦)، وهي بنت أخي زرارة بن عدس. فأتت قومها، فسألها عمّها زرارة عمّا رأت، فلم تستطع أن تنطق. فقال بعضهم: اسقوها ماء حارّا فإن قلبها قد برد من الفرق، ففعلوا وتركوها حتى اطمأنّت. فقالت: يا عمّ! أخذني القوم أمس وهم فيما أرى يريدونكم، فاحذر أنت وقومك. فقال: لا بأس عليك يا بنت أخي، فلا تذعري قومك ولا تروعيهم، وأخبريني ما هيئة [القوم وما⁣(⁣٤)] نعتهم. قالت: أخذني قوم يقبلون بوجوه الظَّباء، ويدبرون بأعجاز النّساء. قال زرارة: أولئك بنو عامر، فمن رأيت فيهم؟ قالت: رأيت رجلا قد سقط حاجباه على عينيه فهو يرفع حاجبيه، صغير العينين، عن أمره يصدرون. قال: ذاك الأحوص بن جعفر. قالت: ورأيت رجلا قليل المنطق، إذا تكلَّم اجتمع القوم لمنطقه كما تجتمع الإبل لفحلها، وهو من أحسن الناس وجها، ومعه ابنان له لا يدبر أبدا إلَّا وهما يتبعانه، ولا يقبل إلَّا وهما بين يديه. قال: ذلك مالك بن جعفر، وابناه عامر وطفيل. قالت: ورأيت رجلا أبيض هلقامة جسيما - والهلقامة الأفوه⁣(⁣٧) - وقال: ذلك ربيعة بن عبد اللَّه بن أبي بكر بن كلاب. [قالت: ورأيت رجلا أسود أخنس قصيرا، إذا تكلَّم عذم⁣(⁣٨) القوم عذم المنخوس. قال: ذلك ربيعة بن قرط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب⁣(⁣٤)]. / قالت: ورأيت رجلا صغير العينين، أقرن الحاجبين، كثير شعر السّبلة، يسيل لعابه على لحيته إذا تكلَّم. قال: ذلك حندج بن البكَّاء. قالت:


(١) كذا في «ديوان المفضليات» و «النقائض». وفي «الأصول»: «والعتابا» ما عدا «ج» فإن الإعجام فيها غير واضح. يقول: أظهرت لهم ما تجن صدورنا وتشتمل عليه أحشاؤنا من الود المكنون. ومعنى رفعت السيف: أريت الناس وقال الخلاف بيننا وأن آلة الحرب موضوعة فينا مستغنى عنها. (عن هامش «المفضليات» طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت سنة ١٩٢٠ م نقلا عن شرح المرزوقي لل «مفضليات» نسخة برلين). ورواية «المفضليات»: «رفعت الرمح ... وشبهت ...».

(٢) الزيادة من «النقائض» (طبعة أوروبا صفحة ١٠٦١).

(٣) وردت هذه العبارة في «الأصول» هكذا: «وكانت أم جعفر خبية يعني أبا الأحوص بنت رياح». وظاهر أن النساخ قد وضعوا «خبية» في غير موضعها. وعبارة «النقائض»: «وكانت أم بني جعفر خبية بنت رياح الغنوي ...».

(٤) التكملة من «النقائض».

(٥) كذا في «ج». والعفج: الجماع. وفي «سائر الأصول»: «اعجفها» وهو تحريف. وفي «النقائض»: «اكفتها» أي ضمها إليك.

(٦) في «النقائض» «حنطة».

(٧) الأفوه: العظيم الفم.

(٨) أصل العذم: العض، والمراد هنا اللوم.