يوم شعب جبله
  ربيعة، ويوم جبلة، ويوم ذي(١) قار. وكان الذي هاج ويوم جبلة أنّ بني عبس بن بغيض حين(٢) خرجوا هاربين من بني ذبيان بن بغيض وحاربوا / قومهم خرجوا متلدّدين(٣). فقال الربيع بن زياد العبسيّ: أما واللَّه لأرمينّ العرب بحجرها، اقصدوا لبني(٤) عامر؛ فخرج حتى نزل مضيقا من وادي بني عامر ثم قال: امكثوا. فخرج ربيع وعامر(٥) ابنا زيد والحارث بن خليف(٦) حتى نزلوا على ربيعة بن شكل بن كعب بن الحريش(٧)، وكان العقد من بني عامر إلى [بني(٨)] كعب بن ربيعة [وكانت الرياسة في بني كلاب بن ربيعة(٩)]. فقال ربيعة بن شكل: يا بني عبس، شأنكم(١٠) جليل، وذحلكم الذي يطلب منكم عظيم، وأنا أعلم واللَّه أنّ هذه الحرب أعزّ حرب(١١) حاربتها العرب قطَّ. ولا واللَّه ما بدّ من بني كلاب، فأمهلوني حتى أستطلع طلع قومي. فخرج في قوم من بني كعب حتى جاؤوا بني كلاب، فلقيهم عوف بن الأحوص فقال: يا قوم، أطيعوني في هذا الطَّرف من غطفان، فاقتلوهم(١٢) واغنموهم لا تفلح غطفان بعده أبدا. وو اللَّه إن تزيدون على أن تسمّنوهم وتمنعوهم ثم يصيروا لقومكم أعداء. فأبوا عليه، وانقلبوا حتى نزلوا على الأحوص بن جعفر فذكروا له من أمرهم(١٣). فقال لربيعة بن شكل: أظلَّلتهم ظلَّك وأطعمتهم طعامك؟ قال نعم. قال: قد واللَّه أجرت القوم!. فأنزلوا القوم وسطهم / بحبوحة دارهم.
  وذكر بشر بن عبد اللَّه بن حيّان الكلابيّ أنّ عبسا لمّا حاربت قومها أتوا بني عامر وأرادوا عبد اللَّه بن جعدة وابن الحريش ليصيروا حلفاءهم دون كلاب؛ فأتى قيس بن زهير وأقبل نحو بني جعفر هو والربيع بن زياد حتى انتهيا إلى الأحوص / [جالسا قدام بيته(١٤)]. فقال قيس للربيع: إنه لا حلف ولا ثقة دون أن أنتهي إلى هذا الشيخ. فتقدّم إليه قيس فأخذ بمجامع ثوبه من وراء فقال: هذا مقام العائذ بك! قتلتم أبي فما أخذت له عقلا ولا قتلت به أحدا، وقد أتيتك لتجيرنا. فقال الأحوص: نعم! أنا لك جار مما أجير منه نفسي، وعوف بن الأحوص عن ذلك غائب. فلما سمع عوف بذلك أتى الأحوص وعنده بنو جعفر فقال: يا معشر بين جعفر، أطيعوني اليوم واعصوني أبدا، وإن كنت
(١) ذو قار: واد متاخم لسواد العراق. ويوم ذي قار المعدود من عظام أيام العرب كان بين قبائل بكر بن وائل من العرب وكسرى ملك الفرس. وسببه أن النعمان بن المنذر لما قتل عدي بن زيد دس له ابنه زيد عند كسرى (راجع تفصيل كل هذا في ترجمة عدي بن زيد في «الأغاني» ج ٢ ص ٩٧ من هذه الطبعة) فطلب كسرى النعمان، فخشيه واستودع حريمه وأمواله وسلاحه عند هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود، ثم ذهب إلى كسرى فقتله، ثم طالب كسرى هانيء بن قبيصة بوادئعه فامتنع، فكان ذلك سبب يوم ذي قار المشهور بين قبائل بكر من العرب والفرس وكان الظفر فيه للعرب.
(٢) في «الأصول»: «حيث» والتصويب من «النقائض».
(٣) التلدد: التلفت يمينا وشمالا تحيرا.
(٤) في «ب، س»: «بني عامر».
(٥) في «النقائض»: «عمارة» بدل «عامر».
(٦) كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «خلف».
(٧) في «الأصول»: «الحارث» والتصويب من «النقائض» و «القاموس» وشرحه (في مادة حرش). وسيأتي كذلك في «الأصول» بعد أسطر.
(٨) الزيادة من «النقائض».
(٩) كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «شانئكم» وهو تحريف.
(١٠) كذا في «ح» و «النقائض». وفي «سائر الأصول»: «أعز حرب ما حاربتها العرب قط».
(١١) في «الأصول»: «حتى جازوا». والتصويب من «النقائض».
(١٢) كذا في «النقائض» وفي «الأصول»: «فاقطعوهم».
(١٣) في «ح»: «فذكروا له ما أمرهم».
(١٤) ما بين المربعين ورد في «الأصول» مكانه: «قد لم ينته» فألصق النساخ الألف بالميم وصحفوا «بيته». والتصويب من «النقائض».