يوم شعب جبله
  ويوم الشّعب قد تركوا لقيطا ... كأنّ عليه حلَّة أرجوان(١)
  وكبّل(٢) حاجب بشمام(٣) حولا ... فحكَّم ذا الرّقيبة وهو عاني
  وأمّا عمرو بن [عمرو بن] عدس فأفلت يومئذ. فزعمت بنو سليم أنّ الخيل عرضت على مرداس بن أبي عامر يوم جبلة، وكان أبصر الناس بالخيل، فعرضت عليه فرس لغلام من بني كلاب، فقال: واللَّه لا أعجزها ولا أدركها ذكر ولا أنثى؛ فهذا ردائي بها وخمس وعشرون ناقة. فلمّا انهزم الناس يوم جبلة خرج الكلابيّ على فرسه تلك يطلب عمرو بن عمرو. قال(٤) الكلابيّ: فراكضته نهارا على السّواء، واللَّه ما علمت أنه سبقني بمقدار أعرفه، ثم زاد مكانه ونقصت(٥). فقلت: قمر واللَّه مرداس. وهوى عمرو إلى فرسه فضربها(٦) بالسّوط فانكشفت، فإذا هي خنثى، لا ذكر ولا أنثى، فأخبرتهم أنّي سبقت. فقالوا: قمر السّلميّ. فقلت لا، ثم أخبرتهم الخبر. فقال مرداس:
  تمطَّت كميت كالهراوة ضامر ... لعمرو بن عمرو بعد ما مسّ باليد
  / فلو لا مدى الخنثى وبعد جرائها ... لقاظ ضعيف النّهض حقّ مقيّد(٧)
  تذكَّر ربطا(٨) بالعراق وراحة ... وقد خفق الأسياف فوق المقلَّد(٩)
  وزعم علماء بني عامر(١٠) أنه لمّا انهزم الناس خرجت بنو عامر وحلفاؤهم في آثارهم يقتلون / ويأسرون ويسلبون، فلحق قيس بن المنتفق بن عامر [بن طفيل(١١)] بن عقيل بن عمرو بن عمرو فأسره. فأقبل الحارث بن الأبرص بن ربيعة بن عقيل في سرعان الخيل(١٢)، فرآه عمرو مقبلا فقال لقيس: إن أدركني الحارث قتلني وفاتك ما تلتمس عندي، فهل أنت محسن إليّ وإلى نفسك! تجزّ ناصيتي فتجعلها في كنانتك، ولك العهد لأفينّ لك، ففعل.
  وأدركهما الحارث وهو ينادي قيسا ويقول: اقتل اقتل. فلحق عمرو بقومه. فلمّا كان الشهر(١٣) الحرام خرج قيس إلى عمرو ويستثيبه، وتبعه الحارث بن الأبرص حتّى قدما على عمرو بن عمرو؛ فأمر عمرو بن عمر ابنة أخيه آمنة(١٤) بنت زيد بن عمرو فقال: اضربي على قيس الذي أنعم على عمّك هذه القبّة. وقد كان الحارث قتل أباها زيدا
(١) الأرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة.
(٢) وردت هذه الكلمة في «الأصول» محرفة، والتصويب من «النقائض».
(٣) شمام: موضع، ويروى بالكسر على البناء مثل قطام، وبالفتح على أنه لا ينصرف.
(٤) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «وقال الكلابي» بزيادة الواو.
(٥) في «الأصول»: «ثم ذلك مكانه ونهضت». والتصويب من «النقائض».
(٦) في «ج» و «النقائض»: «ويهوى عمرو إلى فرسه فيضربها ...».
(٧) كذا في «ح» و «النقائض» (صفحة ٦٧١). ولعله يريد: لولا سرعة الخنثى لوقع أسيرا فأقام مدّة القيط ضعيف النهض حق مقيد، أي مقيدا حق التقييد، وورد هذا الشطر في «سائر الأصول» محرفا. ويروى هذا البيت في «النقائض» (صفحة ٤٠٩):
فلو لا مدى الخنثى وطول جرائها ... لرحت بطيء المشي حق مقيد
(٨) في «ج»: «ريطا» والربط (بضمتين وسكنت عينه هنا، وهذا التسكين جائز في مثل هذا الجمع، والواحد ربيط): جماعات الخيل.
(٩) خفوق السيف اضطرابه. والمقلد: موضع القلادة من العنق، وموضع نجاد السيف على المنكبين.
(١٠) هذه عبارة «النقائض». وفي «ج»: «وزعم علماء بني أنه». وفي «أكثر الأصول»: «وزعم علماؤنا أنهم لما انهزم الناس ...».
(١١) الزيادة من «النقائض».
(١٢) سرعان الخيل (بفتح الراء وسكونها): أوائلها.
(١٣) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «في الشهر الحرام» بزيادة «في».
(١٤) في «النقائض» «أمية».