كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يوم شعب جبله

صفحة 105 - الجزء 11

  يوم جبلة. فجاءت بالقبّة فرأت الحارث أهيأهما⁣(⁣١)، وأجملهما، فظنّته قيسا فضربت القبّة على رأسه وهي تقول: هذا واللَّه رجل / لم يطَّلع الدّهر عليه بما اطَّلع به عليّ. فلمّا رجعت إلى عمّها عمرو قال: يابنة أخي، على من ضربت القبّة؟ فنعتت له نعت الحارث. فقال: ضربتها واللَّه على رجل قتل أباك وأمر بقتل عمّك. فجزعت مما قال لها عمّها. فقال الحارث بن الأبرص:

  أما تدرين يابنة آل زيد ... أمين⁣(⁣٢) بما أجنّ اليوم صدري

  فكم من فارس لم ترزئيه ... فتى الفتيان في عيص وقصر⁣(⁣٣)

  رأيت مكانه فصددت عنه ... فأعيا أمره وشدددت أزري

  لقد امرته فعصى إماري ... بأمّ عزيمة⁣(⁣٤) في جنب عمرو

  أمرت به لتخمش⁣(⁣٥) حنّتاه ... فضيّع أمره قيس وأمري

  - الحنّة: الزوجة. يقال حنّته، وطلَّته⁣(⁣٦) -. ثم إن عمرا قال: يا حار، ما الذي جاء بك! فو اللَّه ما لك عندي نعمة، ولقد كنت سيّء الرأي فيّ، قتلت⁣(⁣٧) أخي وأمرت بقتلي. فقال: بل كففت [عنك⁣(⁣٨)]، ولو شئت إذا أدركتك لقتلتك. قال: ما لك عندي من يد، ثم تذمّم منه فأعطاه مائة من الإبل، ثم انطلق فذهب الحارث فلمّا جاء⁣(⁣٩) عمرا قيس أعطاه إبلا كثيرة، فخرج قيس بها، حتى إذا دنا من أهله سمع به / الحارث بن الأبرص فخرج في فوارس من بني أبيه عرض لقيس فأخذ ما كان معه. فلمّا أتى قيس بني أبيه بني المنتفق اجتمعوا إليه وأرادوا الخروج. فقال: مهلا! لا تقاتلوا إخوتكم؛ فإنه يوشك أن يرجع وأن يؤول إلى الحق فإنه رجل حسود. فلمّا رأى الحارث أن قيسا قد كفّ عنه ردّ إليه ما أخذ منه.

  وأمّا عتيبة بن الحارث بن شهاب فإنه أسر يومئذ فقيّد في القدّ، وكان يبول على قدّه حتى عفن. فلمّا دخل الشهر الحرام هرب فأفلت منهم بغير فداء.

  وغنم مرداس بن أبي عامر⁣(⁣١٠) غنائم وأخذ رجلا فأخذ منه مائة⁣(⁣١١) ناقة، فانتزعها منه بنو أبي بكر بن كلاب؛ فخرج مرداس إلى يزيد بن الصّعق، وكان له خليلا، فانتهى إليه مرداس وهو يقول:

  لعمرك ما ترجو معدّ ربيعها ... رجائي يزيدا بل رجائي أكثر


(١) في «الأصول»: «أحياهما». والتصويب من «النقائض».

(٢) أمين: مصغر أمنة تصغير ترخيم. وفي «النقائض»: «أميّ» كروايته الأولى.

(٣) كذا في «الأصول». وفي «النقائض» (في صفحة ٦٧٢): «في عيص ويسر»، وفي ٤٠٩ «أخي الفتيان في عرف ونكر».

(٤) في «الأصول»: «بأم غوية». والتصويب من «النقائض» (ص ٦٧٢). وفي ٤٠٩ منها «بأم حزامة». يشير بهذا إلى قوله لقيس بن المنتفق حين أسر عمرو بن عمرو: اقتل اقتل، فأبى قيس أن يقتله.

(٥) الخمش: الخدش في الوجه، وقد يستعمل في سائر الجسد. يريد: ليقتل فتبكى عليه حنتاه فتخمشا وجوههن من كثرة اللدم لها.

(٦) في «الأصول»: «كلته» وهو تحريف.

(٧) في «الأصول»: «وقتلت» بزيادة الواو وليست في «النقائض».

(٨) زيادة من «النقائض».

(٩) عبارة «النقائض»: «فلما خلا عمرو بقيس ...».

(١٠) في «الأصول»: «أبي غاز»، والتصويب من «النقائض» ومن نسخة المرحوم الشنقيطي.

(١١) في «الأصول»: «وأخذ رجلا ومائة ناقة» والتصويب من «النقائض».