كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

عمر بن أبي ربيعة وصاحبه العذري

صفحة 118 - الجزء 11

  في حاجتك بمالي لسعيت في ذلك حتى أقدر عليه، فقال لي: / خيرا. فلمّا انقضى الموسم شددت على ناقتي وشدّ على ناقته، ودعوت غلامي فشدّ على بعير له، وحملت عليه قبّة حمراء من أدم كانت لأبي ربيعة المخزوميّ، وحملت معي ألف دينار ومطرف خزّ، وانطلقنا حتى أتينا بلاد كلب، فنشدنا عن أبي الجارية فوجدناه في نادي قومه، وإذا هو سيّد الحيّ وإذا الناس حوله. فوقفت على القوم فسلَّمت، فردّ الشيخ السلام، ثم قال: من الرجل؟

  قلت: عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة. فقال: المعروف غير المنكر، فما الذي جاء بك؟ قلت: خاطبا. قال: الكف، والرّغبة. قلت: إني لم آت ذلك لنفسي عن غير زهادة فيك ولا جهالة بشرفك، ولكني أتيت في حاجة ابن أختكم العذريّ، وها هو ذاك. فقال: واللَّه إنّه لكفيء الحسب رفيع البيت، غير أنّ بناتي لم يقعن إلَّا في هذا الحيّ من قريش. فوجمت لذلك، وعرف التغيّر في وجهي فقال: أما إنّي صانع بك ما لم أصنعه بغيرك. قلت: وما ذاك فمثلي من شكر؟ قال: أخيّرها فهي وما اختارت. قلت: ما أنصفتني إذ تختار لغيري وتولي الخيار غيرك. فأشار إليّ، العذريّ أن دعه يخيّرها. فأرسل إليها: إنّ من الأمر كذا وكذا. فأرسلت إليه: ما كنت لأستبدّ برأي دون القرشيّ، فالخيار في قوله، حكمه. فقال لي: إنها قد ولَّتك أمرها فاقض ما أنت قاض. فحمدت اللَّه ø وأثنيت عليه وقلت: اشهدوا أنّي قد زوّجتها من الجعد بن مهجع وأصدقتها هذا الألف الدّينار، وجعل تكرمتها العبد والبعير والقبّة، وكسوت الشيخ المطرف، وسألته أن يبني بها عليه في ليلته. فأرسل إلى أمّها، فقالت: أتخرج ابنتي كما تخرج الأمة!. فقال الشيخ: هجّري⁣(⁣١) في جهازها، فما برحت حتى ضربت القبّة في وسط الحريم، ثم أهديت إليه ليلا، وبتّ أنا عند الشيخ. فلمّا أصبحت أتيت القبّة فصحت بصاحبي، فخرج إليّ وقد أثّر السرور / فيه، فقلت:

  كيف كنت بعدي وكيف هي بعدك؟ فقال لي: أبدت لي واللَّه كثيرا مما كانت أخفته عنّي يوم لقيتها. فسألتها عن ذلك فأنشأت تقول:

  صوت

  كتمت الهوى لما رأيتك جازعا ... وقلت فتى بعض الصديق يريد

  وأن تطرحنّي⁣(⁣٢) أو تقول فتيّة ... يضرّبها برح الهوى فتعود

  فورّيت عمّا بي وفي داخل الحشى ... من الوجد برح فاعملنّ شديد

  فقلت: أقم على أهلك، بارك اللَّه لك فبهم، وانطلقت وأنا أقول:

  كفيت أخي العذريّ ما كان نابه ... وإني لأعباء النوائب حمّال

  أما استحسنت منّي المكارم والعلا ... إذا طرحت! إنّي لمالي بذّال

  وقال العذريّ:

  إذا ما الخطَّاب خلَّى مكانه ... فأفّ لدنيا ليس من أهلها عمر


(١) هجري: أي بادري وأسرعي.

(٢) فتحنا الهمزة على تقدير وخشية أن تطرحني إلخ ... أي وكتمت الهوى خشية أن يكون ذلك. وفي «الأصول»: «يطرحني أو يقول ...» بالياء المثناة من تحت.