أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
  تقضين بها حقّي وترتهنين بها شكري. قالت: وما عناك؟ قال: قد جعل لي الأمير عشرة آلاف درهم إن رضيت عنه.
  قالت: ويحك! لا يمكنني ذلك. قال: بأبي أنت فارض عنه حتى يطعيني ثم عودي إلى ما عوّدك اللَّه من سوء الخلق. فضحكت منه ورضيت عن مصعب. وقد ذكر المدائنيّ أن هذه القصة كانت لها مع عمر بن عبيد اللَّه بن معمر، وأن الرسول إليها والمخاطب لها بهذه المخاطبة ابن أبي عتيق.
  وصف عزة الميلاء لها ولعائشة بنت عثمان وأم القاسم بنت زكريا:
  وأخبرني الحسين / بن يحيى قال قال حماد قال أبي حدّثت عن صالح بن حسّان قال:
  كان بالمدينة امرأة حسناء تسمّى عزّة الميلاء يألفها الأشراف وغيرهم من أهل المروءات، وكانت من أظرف الناس وأعلمهم بأمور النساء. فأتاها مصعب بن الزبير وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن العاص، فقالوا: إنّا خطبنا / فانظري لنا. فقالت لمصعب: يا بن أبي عبد اللَّه ومن خطبت؟ فقال: عائشة بنت طلحة. فقالت:
  فأنت يا بن أبي أحيحة؟ قال: عائشة بنت عثمان. قالت: فأنت يا بن الصّدّيق؟ قال: أمّ القاسم بنت زكريّا بن طلحة.
  قالت: يا جارية هاتي منقليّ (تعني خفّيها) فلبستهما وخرجت ومعها خادم لها، فإذا هي بجماعة يزحم بعضهم بعضا، فقالت: يا جارية انظري ما هذا. فنظرت ثم رجعت فقالت: امرأة أخذت مع رجل. فقالت: داء قديم، امض ويلك. فبدأت بعائشة بنت طلحة فقالت: فديتك! كنّا في مأدبة أو مأتم لقريش، فتذاكروا جمال النساء وخلقهن فذكروك، فلم أدر كيف أصفك فديتك. فألقي ثيابك، ففعلت فأقبلت وأدبرت فارتجّ كلّ شيء منها. فقالت لها عزّة: خذي ثوبك فديتك. فقالت عائشة: قد قضيت حاجتك وبقيت حاجتي. قالت عزّة: وما هي بنفسي أنت؟
  قالت: تغنّيني صوتا. فاندفعت تغنّي لحنها:
  صوت
  خليليّ عوجا بالمحلَّة من جمل ... وأترابها بين الأصيفر والخبل(١)
  نقف بمغان قد محا رسمها البلى ... تعاقبها الأيّام بالريح والوبل
  فلو درج النمل الصّغار بجلدها ... لأندب(٢) أعلى جلدها مدرج النمل
  وأحسن خلق اللَّه جيدا ومقلة ... تشبّه في النسوان بالشادن(٣) الطَّفل
  - الشعر لجميل بن عبد اللَّه بن معمر العذريّ. والغناء لعزّة الميلاء ثقيل أوّل بالوسطى - فقامت عائشة فقبّلت ما بين عينيها ودعت لها بعشرة أثواب وبطرائف من أنواع / الفضّة وغير ذلك، فدفعته إلى مولاتها فحملته. وأتت النسوة على مثل ذلك تقول ذلك لهن، حتى أتت القوم في السقيفة. فقالوا: ما صنعت؟ فقالت: يا بن أبي عبد اللَّه، أمّا عائشة فلا واللَّه إن رأيت مثلها مقبلة ومدبرة، محطوطة(٤) المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب(٥)، نقيّة الثغر
(١) لعل صوابها «والحبل» بالحاء المهملة؛ فإننا لم نجد في المظان «الخبل» بالخاء المعجمة من أسماء الأمكنة.
(٢) أندب أعلى جلدها: ترك فيه ندوبا. والندب (بالتحريك): أثر الجرح.
(٣) الشادن من أولاد الظباء: الذي قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. والطفل بالفتح: الناعم الرخص.
(٤) محطوطة المتنين ممدودتهما. والمتنان. جنبتا الظهر، ويقال لهما المتنتان.
(٥) الترائب: موضع القلادة أو هي عظام الصدر.