أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
  أمّ المؤمنين، فرآها أبو هريرة فقال: سبحان اللَّه! كأنها من الحور العين. فمكثت عند عائشة أربعة أشهر. وكان زوجها / قد آلى منها، فأرسلت عائشة: إني أخاف عليك الإيلاء(١)، فضمّها إليه وكان موليا منها فقيل له: طلَّقها، فقال:
  يقولون طلَّقها لأصبح ثاوبا ... مقيما عليّ الهمّ، أحلام نائم
  وإنّ فراقي أهل بيت أحبّهم ... لهم زلفة عندي لإحدى العظائم
  زواجها من مصعب بن الزبير:
  فتوفي عبد اللَّه بعد ذلك وهي عنده، فما فتحت فاها عليه، وكانت عائشة أمّ المؤمنين تعدّد عليها هذا في ذنوبها التي تعدّدها. ثم تزوّجها بعده مصعب بن الزبير، فأمهرها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثل ذلك. وبلغ ذلك أخاه فقال: إن مصعبا قدّم أيره، وأخّر خيره. فبلغ ذلك من قوله عبد الملك بن مروان فقال: لكنّه أخّر أيره وخيره، وكتب ابن الزبير إلى مصعب يؤنّبه على ذلك ويقسم عليه أن يلحق به بمكة ولا ينزل المدينة ولا ينزل إلا بالبيداء، وقال له: إني لأرجو أن تكون الذي يخسف به بالبيداء، فما أمرتك بنزولها إلا لهذا. وصار إليه وأرضاه من نفسه، فأمسك عنه.
  كانت تعاسر مصعبا فاحتال له كاتبه ابن أبي فروة حتى ياسرته:
  قال وحدّثني المدائنيّ عن سحيم بن حفص قال:
  كان مصعب بن الزبير لا يقدر عليها إلَّا بتلاح ينالها منه وبضربها. فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه. فقال له: أنا أكفيك هذا إن أذنت لي. قال: نعم! افعل ما شئت فإنّها أفضل شيء نلته من الدنيا. فأتاها ليلا ومعه أسودان فاستأذن عليها. فقالت له: أفي مثل هذه الساعة! قال نعم. فأدخلته. فقال للأسودين: احفراها هنا بئرا. فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال: / شؤم / ملاتك، أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حيّة وهو أسفك خلق اللَّه لدم حرام.
  فقالت عائشة: فانظرني أذهب إليه. قال: هيهات! لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فلمّا رأت الجدّ منه بكت ثم قالت: يا بن أبي فروة إنك لقاتلي ما منه بدّ؟ قال: نعم، وإني لأعلم أن اللَّه سيجزيه بعدك، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت: وفي أيّ شيء غضبه. قال: في امتناعك عنه، وقد ظنّ أنك تبغضينه وتتعطلَّعين إلى غيره فقد جنّ. فقالت: أنشدك اللَّه إلَّا عاودته. قال: إني أخاف أن يقتلني. فبكت وبكى جواريها. فقال: قد رققت لك، وحلف أنّه يغرّر بنفسه، ثم قال لها: فما أقول؟ قالت: تضمن عنّي ألَّا أعود أبدا. قال: فما لي عندك؟ قالت: قيام بحقّك ما عشت. قال: فأعطيني المواثيق، فأعطته. فقال للأسودين: مكانكما، وأتى مصعبا فأخبره. فقال له:
  استوثق منها بالأيمان، ففعلت وصلحت بعد ذلك لمصعب.
  أخبار لها مع مصعب:
  قال: ودخل عليها مصعب يوما وهي نائمة متصبّحة(٢) ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار، فأنبهها
(١) الإيلاء: اليمين، وفي الشرع أن يقسم الزوج ألا يقرب امرأته. وحكمه أن يتربص به أربعة أشهر ثم يوقف، فإما أن يطلق بعد ذلك أو يرجع.
(٢) التصبح: نوم الغداة.