أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
  ونثر اللؤلؤ في حجرها. فقالت له: نومتي كانت أحبّ إليّ من هذا اللؤلؤ.
  قال: وصارمت مصعبا مرة، فطالت مصارمتها له وشقّ ذلك عليها وعليه، وكانت لمصعب حرب فخرج إليها ثم عاد وقد ظفر، فشكت عائشة مصارمته إلى مولاة لها. فقالت: الآن يصلح أن تخرجي إليه. فخرجت فهنّأته بالفتح وجعلت تمسح التراب عن وجهه. فقال لها مصعب: إني أشفق عليك من رائحة الحديد. فقالت: لهو واللَّه عندي أطيب من ريح المسك الأذفر.
  / أخبرني ابن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسعر قال:
  كان مصعب من أشدّ الناس إعجابا بعائشة بنت طلحة، ولم يكن لها شبه في زمانها حسنا ودماثة وجمالا وهيئة ومتانة وعفّة، وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلمّا جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطَّيب ومتانة وعفّة، وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلمّا جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطَّيب [و(١)] المجمر، وخلعت على كل امرأة منهن، خلعة تامّة من الوشي والخزّ ونحوهما، ودعت عزة الميلاء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفت، ثم قالت لعزّة: هاتي يا عزّة فغنّينا، فغنّتهن في شعر امرئ القيس:
  وثغر أغرّ شتيت النبات ... لذيذ المقبّل والمبتسم
  وما ذقته غير ظنّ به ... وبالظن يقضي عليك الحكم
  وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له، فقام فانتقل حتى دنا منهن والستور مسبلة، فصاح: يا هذه إنّا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت، فبارك اللَّه فيك يا عزّة! ثم أرسل إلى عائشة: أمّا أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك، وأمّا عزّة فتأذنين لها أن تغنّينا هذا الصوت ثم تعود إليك، ففعلت. وخرجت عزّة إليه فغنّته هذا الصوت مرارا وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا. ثم قال لها: يا عزّة إنك لتحسنين القول والوصف، وأمرها بالعود إلى مجلسها، وتحدّث ساعة مع القوم ثم تفرّقوا.
  خطبها بشر بن مروان فتزوجت عمر بن عبيد اللَّه:
  وقال المدائني، وذكر القحذميّ أيضا في خبره،: فلمّا قتل مصعب عن عائشة خطبها بشر بن مروان، وقدم عمر بن عبيد اللَّه بن معمر التيميّ من الشام فنزل / الكوفة، فبلغه أن بشر بن مروان خطبها، / فأرسل إليها جارية لها وقال: قولي لابنة عمّي يقرؤك السلام ابن عمك ويقول لك أنا خير من هذا المبسور المطحول، وأنا ابن عمّك وأحقّ بك، وإن تزوّجت بك ملأت بيتك خيرا، وحرك أيرا. فتزوّجته فبنى بها بالحيرة ومهدت له سبعة أفرشة عرضها أربع أذرع، فأصبح ليلة بنى بها عن تسع. قال: فلقيته مولاة لها فقالت: أبا حفص فديتك! قد كملت في كل شيء حتى في هذا.
  وقال مصعب في خبره إن بشرا بعث إليها عمر بن عبيد اللَّه بن معمر يخطبها عليه، فقالت له: يا مصارع(٢) قلة! أما وجد بشر رسولا إلى ابنه عمّك غيرك! فأين بك عن نفسك؟! قال: أو تفعلين؟ قالت نعم، فتزوّجها. وقال معصب الزبيريّ في خبره: لمّا بنى بها عمر قال لها: لأقتلنك الليلة، فلم يصنع إلا واحدة. فقالت له لمّا أصبح: قم يا قتّال. قال: وقالت له حينئذ:
(١) الزياد عن «ج». والمجمر (بكسر فسكون ففتح وبضم فسكون فكسر): العود الذي تبخر به.
(٢) كذا في «أكثر الأصول». وفي «ج» هكذا: «يا مصارع فكه». وظاهر أنها تريد أن تؤنبه، بيد أننا لم نهتد إلى وجه نطمئن إليه في هذه الكلمة.