شعر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها
  عنه. فأرادوا أن يخرجوا حين يصبحون. فقال لهم سارية. ادّرعوا(١) الليل؛ فإنّي لا آمن توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن طلبكم. قال: فلمّا تعشّوا ادّرعوا الليل في الفلاة. وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة.
  فلمّا / ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئا، وإنّي لأعلم أنهم لم يصبحوا بهذا البلاد، فاقتصّ آثارهم، فإذا هو بأثر القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه فأتياه، فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتّبعها أثري، فإن خفي عليكما أن تدركاني فإني سأنوّر لكما إن أمسيتما دوني.
  وخرج توبة في أثر القوم مسرعا، حتى إذا انتصف النهار جاوز علما يقال له أفيح(٢) في الغائط. فقال لأصحابه:
  هل ترون سمرات إلى جنب قرون بقر؟ - وقرون بقر مكان هنالك - فإنّ ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه فليس وراءه(٣) ظلّ. فنظروا فقال قائل: أرى رجلا يقود بعيرا(٤) كأنه يقوده لصيد. قال توبة: ذلك ابن الحبتريّة، وذلك من أرمى من رمى. فمن له يختلجه(٥) دون القوم فلا ينذرون(٦) بنا؟ قال: فقال عبد اللَّه أخو توبة: أنا له.
  قال: فاحذر لا يضربنّك، وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل. فخلَّي طريق فرسه في غمض(٧) من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه، فرماه لابن الحبتريّة - قال: وبنو الحبتر(٨) ناس من مذحج في بني عقيل - فعقر(٩) فرس عبد اللَّه أخي توبة واختلّ(١٠) السهم ساق عبد اللَّه، فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا ركابهم وكانت متفرّقة. قال: وغشيهم توبة ومن معه، فلمّا رأوا ذلك صفّوا رحالهم وجعلوا السّمرات في نحورهم وأخذوا سلاحهم ودرقهم، وزحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغني أحد منهم شيئا / في أحد. ثم إنّ توبة وكان يترّس(١١) له أخوه عبد اللَّه، قال: يا أخي لا تترّس لي؛ فإني رأيت ثورا كثيرا ما يرفع التّرس، عسى أن أوافق منه عند رفعه(١٢) مرمى فأرميه. قال: ففعل، فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه. وجال(١٣) / القوم فغشيهم توبة وأصحابه فوضعوا فيهم السّلاح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفر. ثم إنّ ثورا قال انتزعوا هذا السهم عنّي. قال توبة: ما وضعناه لننتزعه. فقال أصحاب توبة: انج بنا نأخذ آثارنا ونلحق راويتنا، فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء وقد متنا عطشا(١٤). قال توبة: كيف بهؤلاء القوم الذي لا يمنعون ولا يمتنعون!. فقالوا: أبعدهم اللَّه. قال توبة: ما أنا بفاعل وما هم إلَّا عشيرتكم، ولكن تجيء(١٥) الراوية فأضع لهم ماء وأغسل عنهم دماءهم
(١) في «ج، ب، س»: ادّرعوا الليلة. يقال: ادّرع الليل وتدرعه إذا دخل فيه يسري، كأنه لبس ظلمته.
(٢) ضبط الأصمعي «أفيح» بضم أوّله وفتح ثانيه، وضبطه غيره بفتح أوّله وكسر ثانيه.
(٣) عبارة «مختار الأغاني»: «فإن ذلك مقيل لم يتجاوزه القوم وليس لهم وراءه ظل».
(٤) في «الأصول»: «نرى رجلا يقود بعيرا له ... إلخ» والتصويب عن «مختار الأغاني».
(٥) يختلجه: ينتزعه.
(٦) فلا ينذرون بنا: فلا يعلمون.
(٧) الغمش: المطمئن المنخفض من الأرض.
(٨) في «الأصول»: «وبنو الحبترية» والتصويب من «مختار الأغاني».
(٩) في «الأصول»: «فعقروا» بضمير الجمع، وهو تحريف.
(١٠) اختله السهم: أصابه ونفذه.
(١١) يترس له: يستره بالترس.
(١٢) في «الأصول»: «عند رميه» والتصويب من «مختار الأغاني».
(١٣) في «الأصول»: «وجاء القوم» والتصويب من «مختار الأغاني».
(١٤) كذا في «مختار الأغاني». و «عبارة الأصول»: ... انج فقد أخذنا ثأرنا ونلقى راويتنا فقد متنا عطشا».
(١٥) في «مختار الأغاني»: «ولكن حتى تجيء ...» بزيادة «حتى».